মিসর খেদিভি ইসমাইল
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
জনগুলি
فأدخل، الأصناف الجديدة، التي كان راغبا فيها، على زراعة البلاد؛ وتصرف في زرعها التصرف الذي رآه مناسبا لمصلحته ومفيدا لتجارة القطر، فأكثر، مثلا، من زراعة أصناف المستعمرات (كالقطن وأمثاله) في الوجه البحري، حتى كاد يجعل زراعة هذا الإقليم كلها قاصرة عليها، وخص الصعيد بزراعة الغلال والحبوب.
وكيلا تحرم مصر الاستفادة حتى من الأطيان البائرة، أنعم بعد سنة 1830 بأكثر من مائتي ألف فدان منها على كبار أتراكه؛ وأعفاهم من دفع ضريبة ما عليها مدة تتراوح بين ست وعشر سنين؛ على شرط أن يحيوها ويزرعوها، وقد عرفت هذه الأطيان باسم «الأبعاديات» أو «الأباعد»، وأكثر (محمد علي) فيما بعد من الإنعام بها على المخلصين في خدمته من رجاله الأمناء، بصفة مكافآت لهم على أعمالهم التي أحرزوا بها رضاه؛ ورغبة منه في إنماء المساحة الصالحة للزرع في القطر المصري.
وقد اقتدى به في الاعتناء بالزراعة، بل فاقه تفننا في أساليبها، ابنه إبراهيم باشا: فإنه، على كونه جنديا أكثر منه رجل زراعة، ما كاد يقتني الأطيان الشاسعة بالقطر إلا وأدرك، أكثر من كل مزارع، مقدار الخيرات التي يمكن للأرض المصرية أن تدرها، إذا بوشرت زراعتها على حسب الأصول الفنية.
فأقبل يشتغل بمنتهى الذكاء والتفنن؛ وأدخل تحسينات جمة على الطرق الزراعية القديمة المتبعة؛ واستنبط طرقا أخرى؛ وباشر زراعة نباتات غير النباتات المعروفة (كشجر الزيتون) مثلا: فإنه غرس منه ما ينيف على ثمانين ألفا، ثم أصلح جملة أطيان بائرة، وحولها إلى أطيان زراعية في غاية الجودة. ناهيك بالإصلاحات التي أدخلها على فن إقامة الحدائق والبساتين، وتحويله جزيرة الروضة إلى اسم على مسمى حقا، وقد قال عنه البرنس پكلر مسكاو في كتابه المعنون «مصر تحت حكم محمد علي»: «إن إبراهيم باشا معجب به في مصر كمحسن عظيم، فما هو بالغراس والمزارع على مقياس شاسع فحسب؛ بل إنه قد مد ظل إصلاحاته فوق أرجاء الصحراء الشرقية التي ما وراء القاهرة، والمسلم أمر تحويلها إلى جنة غناء للمسيو بونفور، وهو رجل لا يعرف الملل ويشغل تحت إدارته عشرة آلاف عامل بأجرة تتراواح ما بين قرش ونصف إلى ثلاثة قروش يوميا تدفع، لهم كل يوم جمعة بانتظام مستمر».
2
ولم يكن ليغيب عن ذهن (محمد علي) أن روح الزراعة بمصر إنما هي حسن توزيع مياه الري وأن توسيع نطاق الفلاحة فيها لن يدرك إلا بتوسيع نطاق الري عينه، ونطاق طرق المواصلات؛ وأن خير ضمان لاستمرار الفلاحين مقدمين بنشاط وحب على الزراعة إنما هو استفادتهم وإثراؤهم منها ورؤيتهم أنفسهم غير مرهقين بالضرائب وطرق تحصيلها.
فما وضع يده على الأرض المصرية، للغرضين الذين قلنا عنهما، إلا وأقبل بهمته الفائقة على الاعتناء بذلك جميعه:
فلم يترك جزءا من الأطيان التي كان يمكن ريها بالوسائل الموجودة منذ زمن المماليك، إلا وضمن له وصول المياه إليه بكيفية ثابتة، وربما كانت رغبة تمكنه من القيام بهذا العمل سببا ثالثا في إقدامه على نزع الأطيان من أيدي أصحابها؛ لأن هؤلاء كانوا لا يفترون يتنازعون على الري. يقاتل أهالي الجهة أحيانا جيرانهم أهالي الجهة الأخرى على فتح ترعة أو سدها. مثال ذلك ما كان يقع دائما من المنازعات بسبب ترعة الفرعونية، هذه الترعة كانت تصل بين فرعي النيل، وبين عين شمس ونضير، مارة بمنوف، وبما أنها كانت تحول جانبا عظيما من مياه فرع دمياط إلى فرع رشيد، فتسبب - لا سيما في أيام التحاريق - شرقا جسيما لمزروعات الأرز في شمال الدلتا والدقهلية، من المنصورة إلى دمياط؛ كان المزارعون الذين في جوار فرسكور وبعض جهات الدلتا الشمالية، والمزارعون الذين على فرع رشيد في نزاع مستمر بعضهم مع بعض: أولئك يرغبون في سد الترعة ومنع تحويل مياه فرع دمياط إلى فرع رشيد؛ وهؤلاء يرغبون بالعكس في فتحها وتحويل المياه إلى فرعهم، وقد رفع كلا الطرفين شكوى في هذا الشأن إلى الجنرال بونابرت في سنة 1799 فكان أحد الأوامر الأخيرة التي أصدرها ذلك الرجل العظيم وهو بمصر خاصا بإجراء تحقيق في المسألة أمام لجنة من المهندسين المرافقين لحملته، ثم حدث، بعد ذلك بسنوات، أن مياه النيل، إما بفعلها الطبيعي وإما بفعل بعض ذوي المصلحة، ذهبت بالجسر الساد للفرعونية، وأحيت المنازعات القديمة بين أولئك المزارعين، فرأى (محمد علي) أن يفض الخلاف بينهم فضا نهائيا: فسد الفرعونية بحاجز من البناء الثابت المتين؛ وعوض على أهل مديرية البحيرة والجانب من الدلتا، الذين كانوا يطالبون بفتح تلك الترعة، خسائرهم الناجمة عن ذلك السد بإنشاء عدة ترع في فرع رشيد أفادتهم أكثر مما كانوا يستفيدون من ترعة الفرعونية.
3
ولكن وسائل الري المخلفة عن المماليك كانت قليلة، ولم يكن في القطر من ترع هامة سوى بحر يوسف، وبحر مويس، وبحر شبين الكوم، والجعفرية، فرأى (محمد علي) أنه، رغم كل اعتناء يبذله في الانتفاع بكل ما يمكن الانتفاع به من مياه هذه الترع، فإن جانبا عظيما من الأطيان ذات التربة الخصبة يستمر بورا لعدم وصول مياه النيل إليه.
অজানা পৃষ্ঠা