মিসর খেদিভি ইসমাইল
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
জনগুলি
وكان اسم ذلك الرجل إسماعيل صديق، ويعرف «بالمفتش» لسابق تقلده وظيفة التفتيش في الصعيد على أعمال دائرة الخديو الخاصة أولا، فعلى أعمال الحكومة المصرية.
وكان ابن والدين من فلاحي الوجه القبلي، عقليته عقلية فلاحينا المصريين، وأخلاقه أخلاقهم.
ولما كان أخا الخديو في الرضاعة، اختص (إسماعيل) بخدمته لذاته، منذ أن كان لا يزال أميرا، وما فتئ يقدمه في أعمال دائرته، ويرفع من درجته فيها بقدر ما كان يبدو له من الدراية والكفاءة إلى أن أبلغه أسماها، ثم نقله إلى خدمة حكومته، وما زال يرقيه فيها - وإسماعيل صديق يعمل على ما فيه مصلحة مولاه ورضاه قبل كل شيء، وفوق كل شيء - إلى أن بات أكبر المقربين من قلبه، وآمن المؤتمنين عنده.
وكان إسماعيل صديق هذا رجلا ماهرا في الواقع، ثاقب الرأي، أصيله، متفتق الذهن، يدري، كما لا يدري أحد غيره،كيف تستخرج النقود من مدافنها، وكيف يتوصل إلى تحقيق الرغائب ونيل الأغراض، لا يوقفه في سبيل إحراز رضا مولاه هاجس، ولا يهمه أن يرتكب دنية، بل ولا إثما، إذا كانت تلك الدنية وذلك الإثم يعززان مركزه، ويظهرانه في مظهر الرجل المخلص. وكان - علاوة على ذلك - هماما، نشيطا، يحب الشغل، ويلج أبوابه برغبة أكيدة، كما أنه كان كبير المطامع، شبقا نساء وأموالا ولذائذ.
فما استلم دفة وزارة المالية، إلا وظهر حالا، الفرق بينه وبين سلفه، وحل تشهيل الأعمال محل المطل فيها، والبت بسرعة في الأمور محل التخبط والتردد، ودفعت الأذنات المالية في أوقات استحقاقاتها بدون إبطاء، لإدراك الوزير الجديد ما في عمل ذلك من المصلحة لمركز الحكومة.
وبما أن إسماعيل صديق لم يكن، في بادئ أمره، خبيرا بالأمور المالية - وإن صحت تسميته ماليا ولادة - فإنه اتخذ أخصاء من ذوي الدراية فيها، وتلقى عليهم دروسا عملية جعلته في مدة يسيرة كفؤا لمقاومة أحذق عمال السلفيات ومتداوليها، ومناضلتهم، فلم يعد يوقفه وسواس، مهما كان نوعه، عن السوق مباشرة إلى ما يقصد من الأغراض، وبرع في ضروب المخاتلة براعة حملت بعضهم على إلباسه بحق قول القائل «إنما أعطيت الكلمة للإنسان لكي يخفي فكره.»
وظهر ذلك جليا للماليين الغربيين الذين استمرأوا حلاوة التوسط بين الخديو والأسواق المالية الأوروبية.
فما خلا الجو من لاشيڨارديير ومحل كارتريه إلا وتقدم المسيو تشرنسكي لإنهاء مسألة القرض الذي فشل، فدارت المخابرات بينه وبين الوزير الجديد. وفي الليلة ما بين 19 و20 أبريل انعقد في سراي الجيزة اجتماع حضره الخديو نفسه، وشريف باشا كبير وزرائه، وإسماعيل باشا المفتش، وحافظ باشا ناظر الدائرة السنية من جهة، والمسيو تشرنسكي، والمسيو باستري من جهة أخرى. وبعد تباحث جدي دام طويلا، انتهى بهم الأمر حوالي الساعة الثالثة صباحا إلى اتفاق تام، كانت نتيجته أن لسان البرق كلف بحمل بشائر انعقاد السلفة إلى محافظ الإسكندرية ومديري الأقاليم، وإلى الوسطاء المجدين في باريس للاستقراض أو الخصم.
وبناء على إشارة الخديو وقع المسيو تشرنسكي على العقد، فوضعه وزير المالية في جيبه، ووعد بإعادته إليه في الصباح، مختوما منه، لتقدم ساعات الليل، واحتياج الكل إلى راحة، وانفصل المتعاقدون وصدورهم منشرحة.
فلما كان الصباح اكتشف الوزير عيبا في شكل العقد، وحمل مولاه على نقض ما أبرم.
অজানা পৃষ্ঠা