মিসর খেদিভি ইসমাইল
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
জনগুলি
وكان مع الشاب قليل من النقود جعلها أمانة تحت يد أستاذه، فلما رأى هذه الحالة ضاق ذرعا، وظن أنه جنى على نفسه في دخوله المدارس التي بهذه المثابة، ثم لتغير الهواء المعتاد، وكثرة ما قام به من الأفكار، اعترته الأمراض، وطفح الجرب على جسمه، فأدخلوه المستشفى، فتراكمت عليه الأمراض حتى يئسوا من حياته، ولكن الله سلم.
وفي أثناء ذلك حضر والده، فلم يمكنوه من الدخول، فجعل لبعض التمارجية خمسين محبوبا من الذهب، على أن يخرج ابنه من «الاسبتالية» سرا، ليخلصه مما هو فيه، فلم يشعر علي إلا والتمارجي قد كسر شباك الحديد من المحل الذي هو فيه، وأخبره بمرغوب والده، وأنه واقف ينتظره خارج المدرسة، وأراد أن ينزله من الشباك، ويوصله إليه ليأخذ جعله، فمالت نفس علي لإجابته، والذهاب مع والده، وترك المدارس وأهلها، لما رآه من الشدائد وعدم التعليم، وما لحقه من الجوع في «الاسبتالية»، حتى كان يمص العظم الذي كان يلقيه الآكلون.
لكنه فكر في عاقبة الهروب، فإنهم كانوا يطلبون من يهرب من التلامذة، ويقبضون على أهله، ويقيدونهم ويهينونهم، فامتنع عن الخروج معه، فاجتهد في التحيل عليه، وتسهيل الأمر لديه، فأبى، وقال: «أصبر على قضاء الله، وأنا الجاني على نفسي، فبلغ والدي السلام، وسله أن يدعو لي، وأن يبلغ والدتي عني السلام!»
ثم إن والده توسط حتى دخل عنده، ورأى كل منهما الآخر، فقبل كل الآخر، وبكيا، ثم ودعه ومضى لسبيله وكله زفرات، ثم شفي الشاب، وخرج إلى المدرسة، واشتغل بدروسه، ولم يمرض بعد ذلك.
وفي أواخر سنة 1252 نقلوهم إلى مدرسة أبي زعبل، وجعلوا القصر العيني لمدرسة الطب خاصة، كما هو الآن، فكانت إدارة المدارس في أبي زعبل كما كانت في القصر العيني، إلا أنه اعتنى بالتعليم شيئا، بسبب جعل نظرها لإبراهيم رأفت بك.
وكان أثقل الفنون على الشاب علي وأصعبها الهندسة والحساب والنحو، فكان يراها كالطلاسم، ويرى كلام المعلمين فيها ككلام السحرة، وبقي كذلك مدة إلى أن جمع إبراهيم رأفت بك متأخري التلامذة في آخر السنة الثالثة من انتقالهم إلى مدرسة أبي زعبل، وجعلهم فرقة مستقلة - كان علي منهم، بل آخرهم - وجعل نفسه هو المعلم لهذه الفرقة.
ففي أول درس ألقاه عليهم، أفصح عن الغرض المقصود من الهندسة، بمعنى واضح، وألفاظ وجيزة، وبين أهمية الحدود والتعريفات الموضوعة في أوائل الفنون، وأن هذه الحروف التي اصطلحوا عليها إنما تستعمل في أسماء الأشكال وأجزائها، كاستعمال الأسماء للأشخاص، فكما أن الإنسان له أن يختار لابنه ما شاء من الأسماء، كذلك المعبر عن الأشكال له أن يختار لها ما شاء من الحروف، فانفتح من حسن بيانه قفل قلب الشاب، ووعى ما يقول.
وكانت طريقة ذلك الأستاذ الحكيم هي باب الفتوح عليه، ولم يقم من أول درس إلا على فائدة، وهكذا كانت جميع دروسه بخلاف غيره من المعلمين معدومي الطريقة، وملتزمي الحالة الواحدة، فختم عليه في أول سنة جميع الهندسة والحساب، وصار أول فرقته، وبقي في النحو على الحالة الأولى، لعدم تغير المعلم، ولا طريقة التعليم السيئة.
وكان رأفت بك يضرب به المثل، ويجعل نجابته على يديه برهانا على سوء تعلم المعلمين، وأن سوء التعليم هو السبب في تأخر التلامذة.
وفي تلك السنة، وهي سنة 1255، فرزوا منهم تلامذة لمدرسة المهندسخانة ببولاق، فاختاروا عليا فيمن اختاروه، فأقام بها خمس سنين، وتلقن جميع دروسها، وكان فيها دائما أول فرقته وقلفتها، فتلقى بها الجزء الأول من الجبر، والجبر العالي، وعلم الميكانيكا، وعلم الديناميكا، وتركيب الآلات على أستاذ يقال له طائل أفندي، وحساب التفاضل، وعلم الفلك على محمود باشا الفلكي، وعلم الإدروليك على دقلة أفندي ، وعلم الطوبوغرافيا، والتروزية على إبراهيم رمضان افندي، وعلم الكيمياء والطبيعة، والمعادن، والچيولوچيا، وحساب الآلات على أحمد فايد بك، والهندسة الوصفية، وقطع الأحجار، وقطع الأخشاب، والظل والنظر، بعضه على إبراهيم رمضان أفندي، وبعضه على سلامة باشا، وتلقى عليه أيضا خاصة الكسموغرافيا.
অজানা পৃষ্ঠা