মিসর খেদিভি ইসমাইল
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
জনগুলি
وأتى الواقع مصدقا لقول الحبشي، فإن النجاشي اعتقد أن سحرا عمل له، وبدلا من تقدمه في الطريق التي عاد أرجنس منها، عدل عنها إلى طريق (قوندت- أسمرة)، فسار في 21 فبراير من (عدى حواله) إلى (ماي جوردا)، و(قودوفولاسي)، و(ترايبين)، وعسكر فيها ريثما تجتمع عليه بقية جيوشه.
فوجدته هناك طلائع المصريين في 25 فبراير، وكان فعل الدليل الحبشي قد حول أنظار القيادة العامة إلى عدم إمكان مجيئه إلا من تلك الطريق، وإذا بالجزء المهم من جنوده قد نزل في (ماي قوردا) و(قودوفولاسي)، و(عدى حواله)، و(عدى ماجسا). ولما كان الغد زحف النجاشي إلى (عدى برو)، وأرسل قسما من خيالته إلى (تساتزيجا)، فلما بلغت ميمنته (عدى نتزو)، اختار من بين بيادته وفرسانه مائتي مقاتل، وأرسلهم إلى الأمام بمثابة طليعة، لتنسم الأخبار، واستطلاع الأحوال.
وكانت الأنباء عن تقدمه، وضخامة جيشه، وتنوع حركاته، قد بلغت المعسكر المصري، فأخذ القلق مأخذه من القيادة العليا، وأركان الحرب فيه، وطفق بعضهم يبدي المخاوف على سلامة جناح الجيش، ويرتئي الانسحاب، ويقول بلزوم إجرائه! كأنهم إنما أتوا إلى ذلك المكان وتحصنوا فيه لمجرد نزهة عسكرية. ومما زاد الطين بلة أن الشقاق على اللازم عمله بلغ أشده بين السردار ورئيس أركان حربه، وأدى إلى عزم هذا على التخلي عن كل مسئولية، وترك راتب باشا وشأنه يخرج كيفما يريد من المأزق الذي بات فيه.
ولكن ضميره لم يطاوعه على البقاء على عزمه، فكلف الكونت سرماني بالقيام إلى الاستطلاع في 26 فبراير، صوب الجهة التي بلغ نزول الملك فيها، فسار سرماني حتى بلغ كرباريا، حيث علم أن بيادة الأحباش في (عدى برو)، وأن معسكر النجاشي العام في (أبامتي)، فعاد بنبأ ذلك إلى جهة الاختصاص ، فرأى الكرنيل داي أن يستوفي التفاصيل ويستوعبها، وحبب استطلاع سرماني في استطلاع ثان، فعارض راتب فيه، وذهب إلى عدم فائدته، ولكن الأمير نفسه وافق عليه، وحض لورنج على إجرائه، فخرج أرجنس وولسن بألف أو ألف ومائتي فارس، وتوغلا في السير توغلا بعيدا، لم يمكنهما من العود في الميعاد المضروب، فطار القلق عليهما وعلى القوة التي معهما في عموم المعسكر، وصعد الأمير حسن باشا ذاته على أكمة ليستطلع، فرأى غبارا عن بعد، فتخيله دخان قتال تصوره قائما بين الكشافة والحبشان، فأسر إلى راتب بظنونه، فأمر السردار فدق نفير النجدة، فبرز طابور ومدفعان، وخرج وأركان حربه، وخرجت هيئة أركان الحرب بأسرها وراءه، وتبعهم القواد وياورانهم، وكان مئات من الرجال في السهل بدون انتظام؛ منهم من يبحث عن العدو، ومنهم من يستعد للهرب منه بدون أن يدري أحد، ما عدا راتب والأمير، لم هو هنالك، وإلى أين هو ذاهب.
وبينما هم كذلك خيم المساء عليهم، فجمع السردار زمرة من الرجال المنتشرين في السهل، واستعد لمعركة دفاعية، ولكي يكون على بينة من أمره صعد على صخرة مرتفعة، وأخذ يجيل نظره في جهات الأفق الأربع، وهو في منتهى الحيرة، لا يدري ما العمل. أما باقي الخارجين، بل ذات الذين بقوا في الحصن، فإنهم استمروا في هياج كبير، ودام الهرج والمرج بلا معنى، وبدون غرض معلوم، حتى عادت القوة المستطلعة بعد الغروب بساعة، ولو داهم الحبشان الجيش المصري في ذلك الوقت لأفنوه عن آخره؛ لأنه كان كقطيع غنم ليس من راع على رأسه.
على أن رضا راتب باشا بخروج قوة أرجنس إلى الاستطلاع إنما كان عقب أن تأكد من وصول عثمان بك باثنين وعشرين جماعة إلى (قياخور). وقد تركنا عثمان بك هذا، وهو يأخذ من دنيسون بطارية كروب بالقوة، ويعود بها إلى هذه البلدة، فوافته إليها بطاريات كروب الأخرى، ولما بلغ السردار خبر اجتماعها، أمر بالسير بها إلى (قرع)، ورسم بزحف عثمان بك إلى (قياخور)، فوصلت البطاريات (قرع) في 25 فبراير، وشرع عثمان بك في تنفيذ الأمر المعطى إليه.
غير أن العدو شرع يهدد الخطوط ما بين (عدى راسو) و(قياخور)، وكان راتب ولورنج معا يظنان في بادئ الأمر أن «البلوك هوس» الذي أقيم بالقرب من هناك كاف للدفاع عن المضيق، ولكن لورنج ما لبث أن أدرك أن «البلوك هوس» لا قيمة له في الدفاع عن المؤن والذخيرة المارة بسهل (حالة)، فما زال براتب حتى حمله على إرسال قوة في 24 فبراير إلى وادي (قياخور) لمراقبة الطرق المؤدية من الغرب إلى ذلك السهل. ولما وصل هناك عثمان بك في 26 منه بفرقته، وضعت القوة كلها التي اجتمعت هناك تحت إمرته، وكلف بالمحافظة على الوارد من (عدى راسو). فطفق يحسن التحسينات التي أقامها رائف بك، ووضع المدافع بحيث تحمي مدخل الوادي من الغرب، واستخدم فرسانه في سهل (حالة) لمنع نزول العدو على وسائل النقل الخاصة بالجيش.
أما النجاشي، فإنه مع بقائه في (أبامتي) أمر جيشه بالارتداد إلى (ترامني)، كأنه يرغب في تضليل أفكار خصومه، ثم عاد فتقدم في أول مارس لغاية (تزاتزيجا)، وشرع يهدد بالهجوم تهديدا جديا، فخاف راتب أن يحدق الخطر به من كل جانب، وأراد الانسحاب لينجو، فعارضه لورنج في ذلك، وطلب إليه إجراء استطلاع آخر على شكل مظاهرة، والقيام بمناورة تهديدية لحركات الملك، يكون الغرض منها حشد الجيش كله في (قرع).
ولكن راتبا لم ينصع إلى طلبه، وترك يوحنا يقوم بنفاذ الخطة التي رسمها لنفسه، بدون معاكسة، الأمر الذي جعل كل الخط من مصوع إلى (قرع) مضطربا مزلزلا، وأدى إلى عود قيام النزاع بين الجيش وهيئة أركان الحرب، فطفق رشيد باشا وعثمان بك على اختلافهما مع بعضهما، لا يطيعان أمرا يرد لهما من الجنرال لورنج، واشتدت مضايقة السردار لهذا القائد الأمريكي إلى حد لم يعد يستطيع معه إرسال أي كتابة أو أمر إلا عن طريق رفعت أفندي رئيس كتاب القيادة. ولم يكتف رشيد باشا باحتقار الأوامر الواردة من لورنج، بل أخذ يوجد كل ما استطاع إيجاده من العراقيل في سبيل الميچر لوشي رئيس قسم النقل، غير مبال بالمضار التي تعود على الجيش برمته من جراء ذلك.
وكانوا قد سلموا القيادة (ببعرزة) إلى الميچر فيلد، لتكون عينه ساهرة على المهمات، ولكن لورنج - بعدما اشتدت الأخطار حولها بسبب حركات النجاشي - رأى أن يعزز نقلها بجنود تحافظ عليها أثناء اجتيازها سهل (حالة)، فأصدر أمره لذلك، ولكن (راتبا) أبى الموافقة؛ لئلا ينقص عدد الجنود الموجودين معه في الحصن.
অজানা পৃষ্ঠা