302

মিসর খেদিভি ইসমাইল

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

জনগুলি

فرأى الرجل أن يتجاوز التعليمات التي أعطيت إليه، فيخدع يوحنا، ويدخل في خدمته، ويسرق أسرار حركاته وسكناته، ويرافقه إلى قتال المصريين، ثم يتخلى عنه في الساعة المناسبة تخليا ينجم عنه سحقه. فبرز أمامه بلباس عسكري مصري، وادعى أنه أهين وامتهن، فغضب وخرج للانضمام إلى بني جنسه تحت راية ملكه؛ لكي يكفر، وهو يقاتل إلى جانبه، عن الذنب الذي ارتكبه في انضمامه إلى أعدائه.

فلم تنطل الحيلة على النجاشي، وأمر بالنائب ومن معه، فكبلوا بالحديد، وزجوا في أعماق السجون.

ولما استبطأ أرندروپ عودتهم، اختلف بين أن يظن فيهم شرا، أو يعتقد وقوعهم في مكروه، فأقبل يبث الرواد لاستطلاع الأخبار، وبعث يستدعي مؤخرته من (جودوفولاسي).

هذا ويوحنا يمكر به ويخدعه، فيتقدم تارة ثم يختفي، ثم يظهر فجأة، ولا يلبث أن يعود إلى الاختفاء؛ لإطماع عدوه في نفسه، حتى انطلت حيلته على المتحمسين في الجيش المصري، فأشاروا على أرندروپ أن يتخلى عن خطة الحرص الزائد، ويتدرع بالجسارة اللازمة، ويسير هو إلى ملاقاة الخصم المحجم عن التقدم، فانقاد أرندروپ إلى تحريضاتهم، وترك أعالي (عدى حواله) المنيعة، ونزل إلى (قوندت) مجتهدا في التقدم سرا، ليسبق الملك القادم في وادي مأرب، ويباغته.

وحدث أن فرقة حبشية من مقدمة النجاشي كانت قد اقتربت من (قوندت) بنية الاستيلاء عليها، فاعترى أهلها الرعب، وطلبوا حماية الجيش المصري، فأسرع المصريون إلى حمايتهم، وانقضوا على رجال تلك الفرقة وأثخنوا فيهم، فجرحوا عدة، وقتلوا آخرين، وتناول جنود من جماعات السود قتيلا، فمثلوا به وخصوه، طبقا لعاداتهم المتبعة في حروبهم مع الحبشان، فاستشاط أرندروپ غضبا، واتخذ إجراءات صارمة لمنع العود إلى تلك الفظاعة.

ولكن المناوشة التي وقعت بين رجاله ورجال متقدمة النجاشي فتحت عينيه إلى خطورة مركزه وضعفه، فخاف على قوة زيخي - الواقفة على انفراد بعيدا - أن يتمكن العدو من قطعها عنه، والعمل على إفنائها قبل تمكنه من إنجادها، فأرسل في 14 نوفمبر القائمقام رشدي مع نصف جماعة إلى جنوب (عدى حواله) لحماية الطريق الموصلة إلى الهضبة التي تخلى عنها، وأرسل دنيسون بقوة مثلها لحماية الجانب الثاني، ونزل هو على رأس أربع جماعات بمدفعين جبليين لينضم إلى زيخي في الوادي.

فلما جن الليل، وصل جيش يوحنا، واحتشد على ضفة المأرب اليسرى، وسطعت أنوار معسكره على مسافة أميال عديدة في وسط الظلام الحالك المحيط.

وقضى القائدان ليلتهما في استعداد للهجوم صباحا، فأرسل أرندروپ أمرا مشددا إلى روشتان بك في (عدى حواله) بأن يتقدم عند طلوع النهار بخمس جماعات ومدفعين جبليين وساروخين والأثقال إلى (قوندت)، وأن يعسكر هناك، وأمر دنيسون ورشدي بالرجوع أيضا إلى (عدى حواله) في الفجر، وأن يستلم دنيسون القيادة العامة هناك، ويقيم في انتظار الأوامر، وبعد أن ترك جماعة في (قوندت) لحفظها، ريثما تصلها جنود روشتان بك، وأقام جماعة أخرى للمحافظة على الممر بين الجبال، ومنع العدو من مؤخرته، سار بثماني جماعات من البيادة، وأربعة مدافع جبلية وساروخين، ليباغت الملك في معسكره.

ولكن يوحنا لم يكن بالرجل الذي يؤخذ على غرة، فإن حياته وهو لص وقاطع طريق كانت قد علمته دوام اليقظة، وكانت الطبيعة من جهة أخرى خصته بمواهب حربية نسبية، جعلته عدوا مهيبا، فكأنه أدرك ما وقع في خلد أرندروپ من أمر مباغتته، فحرك جيشه من مكانه، وانثنى به إلى موقع وافق من نفسه هوى؛ لأنه كان يقصد هو أيضا أن يباغت عدوه.

وفي الواقع، فإن الجيشين بعد مسير ساعة أو ساعتين تلاحما فجأة على ضفاف المأرب، وتهاجما في بادئ الأمر، بعجة غير نظامية، وكانت المدفعية معتمد أرندروپ في عشمه بالفوز، فتمكنت من اتخاذ موقفها، ولكن طبيعة المكان الذي اختاره النجاشي للقتال حصرت مدى نيرانها، وجعلتها عديمة الجدوى. أضف إلى ذلك أن البيادة المصرية، ولو أنها أطلقت نيران بنادقها في الخلاء المفتوح، ففتكت بالأعداء في بادئ الهجوم فتكا ذريعا، إلا أنها لم تعرف كيف تنتفع من مواقع الأماكن، ولا كيف تستخدم ضفة النهر استخداما مجديا نفعا، فزحف الأحباش على رجال السلاحين، وسيوفهم مشهرة، وهم ألف على كل عشرة مصريين، وانقلبوا عليهم من كل جانب، وضغطوا عليهم بين صفوفهم المتتابعة ضغطا شديدا، فما هي إلا نصف ساعة حتى قتلوهم إلى آخر واحد منهم، دون أن يوقف الأيدي المرفوعة - للفتك والجزر - تضرع أو استرحام من واقف أو جاث على ركبتيه.

অজানা পৃষ্ঠা