241

মিসর খেদিভি ইসমাইল

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

জনগুলি

وما فتئت الإمبراطورة سائرة بهجينها، حتى وصلت قصر دي لسبس، فاستراحت فيه، ثم استقبلت سيدات الإسماعيلية، وكانت قد أنبأتهن، مقدما، برغبتها في مقابلتهن هناك، لشكرهن على عواطفهن نحوها، فوجدت أولئك السيدات تلك الساعة من أحلى ساعات حياتهن، وظنت كل منهن أن اسمها بات لذلك تاريخيا.

ولما كانت الساعة الثانية، بعد الظهر، نزل الإمبراطور فونتز يوسف، وولي عهد المملكة البروسية، وباقي العواهل والأمراء إلى الشاطئ، وقصدوا قصر (إسماعيل) ليردوا إليه تحيته، فقوبلوا بما قوبلت به الإمبراطورة من التعظيم والإكرام، ومظاهر الابتهاج العام.

ثم انقضت بقية ساعات ذلك النهار الفريد في أنس وحظ، وتزاور وأعياد، حتى إذا وافت الساعة السابعة، مساء، مد سماط العشاء، فاكتظت، بالموائد، رحبات القصر السابق ذكره، على سعتها، وكثرة عددها؛ وكان ذلك منتظرا، ولذا فإن الخديو كان قد أعد في الفضاء، حول قصره، خيما ومظال مدت فيها أيضا موائد، وأولمت ولائم لمن لم يسعه القصر من المدعوين.

فأكل جمعهم المحتشد من الطعام الفاخر المجهز بمعرفة أمهر الطهاة، أكلا هنيئا، وشرب شرابا فاخرا، وتجاوز بعضهم في ذلك الحد، لا سيما من لم يكن يحلم بمثل تلك المأكولات الملكية، مطلقا؛ حتى إنه لقد يروى عن فرنساوي بطين، أنه نهض عن المائدة التي كان قد التهم ما عليها، التهام النهم، الذي لا يحد شراهته حد، كأنه ڨيتليسالإمبراطور الروماني، فأخذ يمر بيده على بطنه، مملسا صديريه الفسيح الأرجاء، وقال بتبسم لصديق له من جنسه، كان جليسه على المائدة: «إني قد أكلت ثروة ثلاثة فلاحين مصريين!» بدون أن يشعر بما في قوله من سماجة!

25

وبعد الفراغ من تناول طعام العشاء، أقام الخديو مرقصا لعموم مدعويه، تحت رياسة الإمبراطورة أوچيني، بذل فيه ما لا يستطيع قلم وصفه من البذخ وصنوف اللذات ودواعي السرور، ورتب فيه مقصفا حوى ألذ ما طاب من صنوف المآكل والمشروبات.

فاشترك، في الرقص، أصحاب التيجان أنفسهم؛ ولم يكونوا أقل المشتركين فيه جدا ونشاطا، بل كانوا قدوة لغيرهم في استمراء لذة تلك الساعات السريعة المرور! فأوجب ذلك منهم، استغراب الأقوام الشرقيين المحيطين بالقصر والمظال؛ لأنهم، حتى تلك الليلة، كانوا يعتقدون أن الرقص والقصف شأن الراقصات، فقط، والسكارى من الرجال! فما كادوا يصدقون أعينهم، لما أبصروا أوچيني، الإمبراطورة العظيمة؛ وفرنتز يوسف، الإمبراطور الخطير؛ وفردريك غليوم، الأمير البروسياني المكلل الجبين بانتصارات سنة 1866؛ وباقي الأمراء والأميرات؛ وخديوهم نفسه، الرجل الوقور، يرقصون ويمرحون كباقي المدعوين وأكثر؛ وأبصروا أن السن ذاتها لم تمنع فردينان دي لسبس، على اشتعال ناصيته شيبا، من أخذ نصيبه من الرقص والملاهي الأخرى، المجموعة حوله، ولا بد من أن هيبة أولئك الأعاظم تضاءلت بعض التضاؤل في أعينهم، لا سيما إزاء وقار الأمير عبد القادر، البطل الجزائري المعروف، الذي على امتزاجه بجمهور الراقصين والراقصات، لم يرقص ولم يقصف، وبقي متفرجا فقط، ملتحفا هيبته وجلاله .

فلم ينسوا ليلة الثامن عشر من شهر نوفمبر؛ وما فتئوا، بعد ذلك، يذكرونها أمام أولادهم وحفدتهم، كما ارتسمت على مخيلاتهم، ولم يخطئوا في أنها ليلة لن تنسى، لأنها كانت، في الواقع، ليلة لم تر القرون لها مثيلا؛ ولن ترى شبيهها الأجيال القادمة.

ومن حسن حظ الناس أن المستقبل سجل مكتوم؛ وأن الغد صنو متلثم لا يعرف وجهه، ولا تقرأ سطور يده، مهما كان الراغب في استجلاء محياه وفتح كفه قويا وكريما، أو جميلا وجليلا! فإن ذلك يجعل استمراء حلاوة الساعة الحاضرة ممكنا، ويحمل على الاتعاظ بقول القائل: «ولك الساعة التي أنت فيها!» وإلا لو كان الأمر بعكس ذلك، وأمكن رفع الحجاب عن هذا الشبح الذي هو ضيفنا، كما يدعوه هيجو، الشاعر الأوحد، وظلنا المرافق لنا أبدا واسمه «الغد»؛ لو أمكن حمله على التكلم وإباحة سره المكنون، هل كانت أوچيني، الإمبراطورة الجميلة، تقدم ذراعها، في الرقص، إلى الأمير البروسياني، الذي كان مزمعا، بعد أقل من عشرة شهور، أن يثل عرش زوجها، ويفتح في جنب فرنسا، وطنها الاختياري المحبوب، ذلك الجرح العميق الأليم، الذي استمر نيفا وسبعا وأربعين سنة داميا؟ بل هل كانت تحضر تلك الحفلات والأعياد، وترضى أن تكون إلهتها، ومحط الأنظار فيها؛ وهي المزمعة، بعد أقل من عشرة أشهر، أن تسقط من حالق، وتفر من قصرها الإمبراطوري، وجلة، بينما الثورة تهدر وراءها، وتأوي بذعر إلى إنجلترا، فتنزل، معفرة الثياب والوجه، في إحدى محطات لندن، وترى نفسها تزاحمها المناكب، بلا احترام، في سيرها لتبحث عن عربة بحصان واحد تقلها وتقل أثاثها القليل، الذي تمكنت من تهريبه معها؟ بل هل كانت تلك الحفلات عينها تبزغ لها شموس، وهل كان يقع في خلد (إسماعيل) أن ينفق الملايين التي أنفقها عليها، وعلى الضيوف الذين دعاهم إليها، فلم يتكبدوا في ذهابهم وإقامتهم وإيابهم درهما واحدا من جيوبهم حتى ولا على غسل ملابسهم واستحمامهم، لو علم أن الإمبراطور نابوليون الثالث، معتمده في ملماته، وفي تحقيق أمانيه، ساقط عن عرشه بعد عشرة شهور، وأن إمبراطوريته المفيئة على الأكوان ممحوقة عن قريب؛ وأن فرنسا، صاحبة الكلمة العليا في مجتمع الدول، والقدح المعلى في ميدان السياسية، ستبيت بضعة أعوام كسيرة الجناح قليلة النفوذ؟

وهل كان الإمبراطور فرنتز يوسف استمرأ، بلذة، حلاوة تلك الليلة البهيجة، لو علم أن أخاه الأرشيدوق مكسيمليان، إمبراطور المكسيك، الذي كان لا يزال يبكيه، منذ أن قتله چوارز زعيم الجمهوريين المكسيكيين، رميا بالرصاص، في يونية سنة 1867، ليس وحده الأمير الذي كتبت له الأقدار القتل، في بيته الهبسبرجي؛ وأن ابنه الوحيد وولي عهده رودلف؛ واليصابات زوجته، التي قادها إله الغرام إلى سريره وعرشه؛ وفرنتز فردينند ابن أخيه، وولي عهده، بعد رودلف، وزوجة فردينند هذا، سيقضون كلهم قتلى، كأخيه؛ وأنه هو نفسه، وقد توغل في الشيخوخة وبات على حافة القبر، سيرضى بأن يثار باسمه أكبر وأفظع حرب رآها العالم، فتقتل حزنا، حبر العالم المسيحي الأكبر پيوس العاشر، فيموت وهو غير راض عن جلالته الرسولية، بل ناقم عليها، على ما كان لقداسته من المكانة في نفس جلالته؛ وسيقضي هو عينه نحبه، في وسط نيران تلك الحرب المندلعة، العتيدة أن تدك دولته دكا، وتخرب بيته تخريبا تاما، فيمضي، ولا ترافقه إلى قبره سوى لعنات الملايين من الأمهات والأرامل، والخطيبات الثواكل، ولا يذكر العالم المتمدين ساعات حياته الأخيرة إلا ليلعنه، بعدما كان لا يذكر اسمه إلا متأسيا، خاشعا أمام جلال شيبه المكلل بالحداد؟!

অজানা পৃষ্ঠা