মিসর খেদিভি ইসমাইল
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
জনগুলি
ثم اختط، في تلك الأحياء، الشوارع العريضة، الظليلة، الواصلة بين جهاتها المختلفة؛ الشوارع، التي، بالرغم من كل ما حدث بعدها، لا تزال من أفخر مسالك القاهرة، وأكبر شرايين مواصلاتها، وأهمها: شارع عبد العزيز، والشارع الذي أقام نوبار باشا فيه قصره الفخم فسمي باسمه، شمالا؛ وشارع كوبري قصر النيل، وشارع سراي الإسماعيلية، غربا: وغيرها وغيرها مما امتازت به القاهرة الإسماعيلية.
أما جنوبا، فإن كل ما اختط من سكك فقد انتهى إلى رحبة فسيحة الأرجاء، مترامية الأطراف، تركت بين الشوارع والأحياء الجديدة ، وبين الدروب والأزقة، الموصلة من عابدين إلى السيدة زينب، لتمتد أمام السراي المنشأة بعابدين، مقرا للملك، بدل سراي القلعة؛ كما تمتد ساحة الكونكرد، في باريس أمام قصر التويلري الإمبراطوري!
ألا كم أبدع التفنن والتنسيق في سراي عابدين هذه، وفي تزيينها بالرياش والأثاث الفاخر! وكم أنفق من مال في سبيل ذلك، وفي سبيل جعل الحديقة الداخلية، في تلك السراي، قطعة من جنان الفردوس!
وأما غربا، فإنه لما بلغ العمار النيل - وكان العمل من جهة أخرى، قائما على قدم وساق لإنشاء سراي الجزيرة الفذة - لم يعد يحسن إبقاء العبور، من شاطئ إلى شاطئ، على كوبري من المراكب المصفوفة بعضها بجانب بعض، والممدودة عليها ألواح الخشب، أو في معديات بسيطة؛ وبات من المحتم إقامة كوبري يتناسب في فخامته وجماله مع أبهة الأحياء المجاورة له، فعهد (إسماعيل) إلى شركة فرنساوية أمر إنشائه، فأنجزته في سنة 1872 وبلغت نفقاته مائة ألف وثمانية آلاف من الجنيهات.
وبينما هو يقام، شعر (إسماعيل) بالحاجة إلى ربط الجزيرة ببر الجيزة أيضا؛ فكلف محلا إنجليزيا بإنشاء كوبري، يصل بينهما، فأنجز في السنة عينها، وبلغت تكاليفه نيفا وأربعين ألف جنيه.
وفي أثناء السير في هذه المنشئات العظيمة، وبينما القصور الباذخة تقام في كل جهة يصلح أن يقام فيها قصر، ويبلغ عددها عشرات العشرات، أهمها: قصر الجزيرة ببستانه الساحر، وقصر النزهة على سكة شبرا، وقصر حلوان، وقصر القبة، وقصر الإسماعيلية، وقصر الزعفران؛ بينما قصور أخرى قديمة تجدد تجديدا لا يعيد إليها بجدتها فقط، بل يزيدها رونقا وبهجة: كالقصر العالي، وقصر المسافرخانه، وقصر النيل، وسراي القلعة؛ بينما المساجد، لا سيما مسجد الرفاعي، والمدارس توضع قواعدها الجرانيتية، وتنشأ في كل جهة من جهات المدينة العظيمة - منها ما يشيده (إسماعيل)، ومنها ما يشيده البر؛ وبينما وزراء مصر ووجهاؤها وأعاظم سراتها، كشريف ونوبار، وإسماعيل صديق، وعلي شريف، وغيرهم، كطلعت ورياض، يقتدون بالأمير ويقيمون في الأحياء المنشأة حديثا أو في الأحياء العتيقة؛ المزدانة بقصور المماليك القدماء، كحي الدرب الأحمر، وحي الحلمية القديمة، وغيرهما، المنازل الفاخرة، والبيوت العامرة، ذات الرياض والبساتين الداخلية - كان العمل قائما على قدم وساق، وبكيفية لا تدري ما هو الملل أو الكلل، لإنجاز ما لم تتمكن العزائم السالفة من إنجازه، وأعني به توزيع المياه على أحياء القاهرة توزيعا منظما مستمرا، فحثت همم الشركات، وحملت الجهود على المباراة؛ ولم يمض زمن إلا وأقيمت المباني اللازمة لرفع المياه وتخزينها؛ ومدت المواسير تحت الشوارع وفي الحارات والدروب، وسير ماء النيل مقطرا من خزاناته إليها، فتسرب منها إلى الحنفيات في البيوت، وحلت مشكلة قديمة العهد، بفضل إرادة (إسماعيل) الحديدية.
ولما بات الماء ميسورا غزيرا، توسع القوم في وسائل النظافة والصيانة، وطفق طل الرش يهطل على الشوارع في الصباح والعصر بانتظام؛ وأخذت المنازل، حتي الحقيرة منها، تغسل مرارا في الأسبوع وبغزارة: فقلت الأمراض، وتحسنت الصحة العمومية.
وكان العمل قائما ، كذلك، على قدم وساق، بالكيفية عينها، وفي عموم الأحياء، قديمها وجديدها، لتعميم الإنارة بالغاز، فكانت مواسير السائل المنير توضع بجانب مواسير الماء المحيي؛ حتى إذا تمت الأحياء البديعة، وشيدت القصور الرفيعة، وغرست البساتين الجميلة، وتجلت الشوارع الفسيحة، ناصعة النظافة، ظليلة الجانبين، تدفقت إليها في وقت معا المياه، وسطعت فيها الأنوار: فتجلت المدينة، كلها، المعتادة الظلام ليلا، منذ نشأتها - وقد تكيف قديمها، وبرز جديدها يرفل في حلله البهية - عروس الشرق قاطبة ويتيمة عواصمه.
وبلغت نفقات هذه المباني والمنشئات، والتحسينات، وتوزيع المياه والنور على العاصمتين، وفي السويس بعدهما، ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف جنيه.
فإذا تمثلنا مقدار ما اقتضته كل هذه الأعمال المختلفة من حركة تجارية متنوعة، وأضفنا إلى ذلك جميعه ما نجم، في سني ملك (إسماعيل) الأخيرة، من مضاعفته لتلك الحركة عينها، عن انضمام بواخر الأسطول المصري إلى سفن الشركة العزيزية في أعمالها، وتكوينها معها ما عرف فيما بعد باسم «الوابورات الخديوية»، لم نستغرب اطراد الزيادة في الواردات والصادرات على العموم، ولا سيما في عامي 1872 و1873 وهما السنتان اللتان بلغ العمل فيهما أقصاه، والجهود غايتها، كما يتضح ذلك من الجدول التالي:
অজানা পৃষ্ঠা