মিসর ফি থুলথাই ক্বার্ন
مصر في ثلثي قرن
জনগুলি
اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم
وأين مصر التي صدق ابن العاص في وصفها حين قال: «إنها زمردة خضراء»؟
طوي الكتاب وجف القلم، وبقيت عيون السماء شاخصة ترى كيف يتغير الإنسان ولا يتغير المكان، وبقي النيل جاريا ينظر كيف تتبدل ألوان الخلائق ولا يتبدل لونه الفضي، ولكنها أمة لا تبكي الماضي لتجلس على قبره حتى تهلك، وإنما تبكيه لتذكره فتنتفع، وتتمثل جلاله فتتعظ.
كانت مصر منذ أقدم تاريخها كأعظم ما تكون أمة في رقيها الاقتصادي، نقول كانت كذلك من قبل لأنها هوت في أيامها الأخيرة من منزلة رقيها العظيم، ولكن الأبرار من أبنائها تداركوها فجعلوا يقيلون عثرتها فلا ينالهم كلال ولا ملل كلما دكوا عقبة فوجدوا بعدها عقبات، تلك حقيقة لا عناء في الاقتناع بها، فمصر تقول إن صناعتها وتجارتها وزراعتها بارت أشد البوار، وهي حين تقول ذلك تأمن كل اعتراض من جانب اليد التي قامت على منافس الحياة الاقتصادية، فقد جاءت هذه اليد في الزمن الأخير تعترف بأن مصر الاقتصادية لا تتنفس أنفاس الحياة، ولا تنبض نبض الصحة، وكان هذا الاعتراف عملا لا قولا، والعمل لا يكذب إذا جاز أن يكذب القول.
نسمع الآن كما كنا نسمع قبل الآن أن الأمة المصرية مغمورة بفضل الإصلاح الذي تم في ثلث القرن الأخير، فعلينا أن نعرف هذا الجميل لأهله، نعم الأمة المصرية أكرم الأمم أخلاقا وأكثرها سماحة، فهي تعرف الجميل إذا رأته في موضعه أو رأت أنها مقصودة به أو ببعضه وإن لم يقع في موضعه، أما لسان الحكومة فينطق بأن هذا الجميل لم يكن ولم يحصل، فمن الغبن أن تكلف الأمة معرفته، وتعنف على إنكاره، أو يقال إنها جحدته.
أتدرون ماذا يقول لسان الحكومة؟ إنكم تسمعونه في المذكرة التي وضعتها وزارة المعارف المصرية لتطلب إلغاء الشهادة الابتدائية من مجلس الوزراء، وتسمعونه في الأمر الحكومي الذي قضى بتأليف «لجنة التجارة والصناعة»، وفي الأمر الذي قضى بتأليف «لجنة تعميم التعليم الأولي»، وفي الأمر الذي قضى بتأليف «مجلس التجارة الزراعية»، إنكم تسمعون هذا اللسان في هذه الصور الحكومية المسجلة؛ فإن وزارة المعارف لم تفتقر إلى الشجاعة الأدبية ساعة سجلت على نفسها في مذكرتها أن التجربة دلت على فساد التعليم الابتدائي وعدم جدواه، ولم تأنف السلطة الفعالة أن يشهد الأمر الخاص بلجنة التجارة والصناعة أن صناعة مصر وتجارتها طويتا فأريد نشرهما في الزمن الأخير، ولم تخش أن يعجب الناس حين يسمعون أنها تحركت بعد الجمود الطويل لتنشئ «جامعة أميرية» فلم تكن هذه الجامعة أكثر من ضم المدارس العالية وراء سور واحد، ولم تعبأ بالغرابة التي تفيض بها دعوى إصلاح التعليم بالهيكل العظمي الذي خلق للتعليم الأولي، ولم تأبه للدهشة التي تملك النفوس حين ترى ألفاظ العناية بالتجارة الزراعية مسموعة الآن فقط.
هذا هو لسان الحكومة في مذكراتها وأوامرها، وهو فصيح في الاعتراف بأن التعليم والزراعة والتجارة والصناعة لبثت مرتكسة في هاوية من الإهمال ليس في قرارها إلا الفناء حتى أيقظت الحاجة الوقتية العيون المغمضة فانفتحت بالنظر، النظر الذي لا يتجاوز الإشارة والكلام، على أن هذه الأشياء كانت أثناء تأجج الحرب يوم كان السكون ألزم الأشياء للمتحاربين، والآن فأين هي؟ وما خبرها، اللهم لا أثر ولا خبر، ولعل كل شيء عاد إلى أصله!
الزراعة
ماذا بلغت زراعة مصر من الرقي؟ إن الرقي الذي تضاف إلى الحكومة أسبابه وآثاره يقاس بمقياس العدم فهو لا شيء. أستغفر الله، فإن هناك شيئا عظيما رجعت أسبابه وآثاره إلى النظام الذي ابتلع الأموال العظيمة، هذا الشيء اسمه خيبة الآمال وفساد الأعمال، وله شاهد موجود ناطق، هو طرق الري التي أثبت الفنيون فسادها يوم كانت نظرية لم يجربها العمل، والتي أثبتت التجربة القاسية ما قاله الفنيون فيها، والتي لم تزل باقية إلى الآن.
أما أصل التفكير في الحاجة إلى نظام الري الحديث، ففضله راجع إلى محمد علي ورجال عهده، ولم يزل عمله في تحقيقه ناطق الآثار، بل أشار «السير ولكوكس» بالرجوع إلى الطرق التي وضعها محمد علي للري، وهي إشارة معناها أن المصلحين في هذه الأيام لم يعرفوا كيف ينظرون بعين ذلك المصلح الكبير، فرضوا لأنفسهم أن يتقهقروا إلى الوراء قرنا وربع قرن ليلتمسوا فضله في الإصلاح.
অজানা পৃষ্ঠা