১৯ শতকের শুরুতে মিশর (১৮০১-১৮১১) (প্রথম খণ্ড)
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
জনগুলি
وواضح أن هذا التفسير الذي أراد طاهر باشا أن يعلل به الثورة على خسرو لم يكن صحيحا فيما يتعلق بقيام الشعب؛ لأنه من الثابت في أثناء الاصطدام الذي وقع بين طاهر باشا وجنده الأرنئود وبين خسرو باشا وجنده من العبيد السود والتكرور - الذين ألف منهم حرسا خاصا له في بداية ولايته - أن الشعب لم يشترك في شيء من ذلك، بل صار بعض أولاد البلد يذهب إلى الفرجة ويدخل بينهم ويمر من وسطهم فلا يتعرضون لهم ويقولون نحن مع بعضنا وأنتم رعية فلا علاقة لكم بنا، ومع ذلك فقد وقع المشايخ والقاضي والوجاقلية على هذا الإعلام وبصورته المحضرة في 9 مايو وأرسلوه إلى إسلامبول.
وكان في اجتماع «5 مايو» الذي ألبس في أثنائه طاهر باشا «فروة» القائمقامية، أن تحدث السيد عمر مكرم عن المظالم والإتاوات التي يشكو منها الشعب، «وكلموه على رفعها وظنوا فيه الخير»، فوعدهم طاهر باشا والدفتردار خليل أفندي الرجائي برفعها، واصدر طاهر باشا منشورا طمأن فيه الناس على أموالهم وأرواحهم، ويبدو أن طاهر باشا كان في عزمه أن يحكم حكما طيبا، فنودي في الناس بالأمان، ومنع الجند من التعرض للأهلين، وأمر الباشا بأن تعرض عليه شكاوى الأهلين إذا وقع عليهم اعتداء من الجند حتى ينتصف لهم وينتقم بنفسه من الجنود المعتدين، وبدا في الأيام الأولى من قائمقاميته أن السلطة قد دانت له تماما حتى لم يعد هناك - على حد قول مسيت - ما يدل على أنه من الممكن طرده منها.
وحرص طاهر باشا على إظهار ولائه للباب العالي، كما حرص على تطمين الأوروبيين بالقاهرة فصار يهدئ من روعهم ويؤكد لهم اهتمامه بالمحافظة على سلامة أرواحهم واحترامه لأشخاصهم وعدم إلحاق أي أذى بأموالهم وأملاكهم، وصار يبذل قصارى جهده حتى لا يغادر هؤلاء القاهرة إلى الإسكندرية، ولما كان «مسيت» الوكيل الإنجليزي قد وصل إلى بولاق من الإسكندرية وقت قيام الثورة، فقد احتجزه الأرنئود هو ورفيقيه: الكابتن «هايز» والمستر «أدريان» الطبيب مدة يومين، حتى إذا هدأت الأمور أطلقوا سراحهم، ووجد «مسيت» نفسه في حيرة من أمره، لا يدري كيف يكون مسلكه من طاهر باشا، وهل يعتبره عاصيا وثائرا على الدولة أم أحد رعايا الباب العالي المخلصين، وكتب إلى حكومته منذ 4 مايو أنه «سيبقى في قلقه وحيرته هذه حتى يعرف من هو ممثل السلطان سليم الثالث في مصر»؛ لأن خسرو باشا كان لا يزال «الباشا» الشرعي، ولم يصل أمر من الباب العالي بعزله.
ورأى طاهر باشا لدعم سلطانه في القاهرة أن يتفق مع البكوات المماليك ويتحالف معهم، وكان خسرو - على نحو ما قدمنا - قد بدأ مفاوضاته معهم منذ أن وصله أمر الباب العالي بالقبض على رؤسائهم الأربعة: إبراهيم والألفي والبرديسي وأبي دياب وإرسالهم إلى القسطنطينية، ثم الاتفاق مع سائر البكوات والمماليك على أساس خروجهم من البلاد، والانسحاب للعيش في أي مكان يختارونه - غير مصر - مع إعطائهم المرتبات والمعاشات.
ومع أن خسرو أفلح في استمالة عثمان بك حسن وصالح بك الصغير، فحضرا مع أتباعهما إلى القاهرة للاستفادة من صفح الباب العالي وعفوه وللتفاهم مع خسرو؛ فقد ظل سائر البكوات لا يرضون بالتفاهم مع الباشا على غير ما طالبوا به، وهو بقاؤهم وأتباعهم في مصر، واسترجاعهم لنفوذهم السابق في الحكومة، وتجددت مفاوضات خسرو معهم منذ سبتمبر سنة 1802 وعرض على البكوات «إقطاع إسنا» إذا رفض رؤساؤهم الذهاب إلى إسلامبول ورفض سائر البكوات والمماليك مغادرة البلاد، ولكن دون نتيجة، حتى حدث في 19 نوفمبر من العام نفسه أن وصل إلى القاهرة فرمان من الباب العالي يطلب من خسرو «قتال الخائنين، وإخراج الأربعة أنفار؛ أي البكوات الأربعة المعروفين، من الإقليم المصري بشرط الأمان عليهم من القتل وتقليدهم ما يختارونه من المناصب في غير إقليم مصر.»
وقد وصل هذا الفرمان قبل وقوع معركة دمنهور بيوم واحد، وهي المعركة التي انتصر فيها البكوات، وقد تتابعت الحوادث مسرعة بعدها، فلم يعرف البكوات كيف يفيدون من النصر الذي أحرزوه، ثم دب الانقسام بينهم - كما هي عادتهم - وخرج الألفي مع جيش الإنجليز في مارس، وحاول البكوات توسيط المشايخ، فبعثوا برسالة من الصعيد إليهم على يد الشيخ «سليمان الفيومي»، وكان البكوات قد انسحبوا إلى الصعيد؛ بناء على نصح الجنرال ستيوارت لهم في الظروف التي ذكرناها سابقا، وسلم الفيومي رسالة البكوات إلى خسرو، وفي أبريل سنة 1803 استولى البكوات على المنيا عنوة، وفي مايو طرد خسرو من القاهرة، وأوفد البكوات رسولا هو جعفر كاشف تابع إبراهيم بك يحمل منهم كتابا إلى المشايخ، ووصل جعفر كاشف القاهرة في أثناء مرحلة الحوادث الأخيرة التي انتهت بفرار خسرو، وصار يجتمع بطاهر باشا، ويبدو أن «طاهر باشا» قد بدأ من ذلك الحين سياسة التفاهم مع البكوات للتحالف معهم.
وكان عند اجتماع المشايخ والقاضي بطاهر باشا لإعلان قائمقاميته في 5 مايو، أن قرأ هؤلاء المكتوب الذي حضر من عند الأمراء القبالى يعلنون فيه طاعتهم وامتثالهم، وينفون عن أنفسهم تهمة «التعدي والمحاربة»، ويشكون من تصدي الجند والحكام لقتالهم في كل مكان يقصدون إليه أو يبغون المرور منه وهم في طريق انسحابهم إلى الجنوب حتى وقع حادث المنيا، وانهزم العسكر في كل التحاماتهم معهم، ويلقون تبعة ما حدث على الوزير «خسرو باشا» الذي رفض - على حد قولهم - وساطة «سادتهم المشايخ الذين رجوهم أن يتشفعوا لهم عنده ... وأبى إلا إخراجهم من القطر المصري كله.»
ثم قالوا: «وبعثتم؛ أي الوزير خسرو، تحذروننا مخالفة الدولة العلية مستدلين علينا بقوله تعالى:
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، ولم تذكروا لنا آية تدل على أننا نخرج من تحت السماء ولا آية تدل على أننا نلقي بأيدينا إلى التهلكة ...» وسأل المشايخ عن الجواب الذي يردون به على كتاب البكوات، فقال طاهر باشا: حتى نتروى ثم لم يلبث أن كتب هو بعد ذلك كتابا إلى البكوات «يخبرهم فيه بما وقع من طرد خسرو وإعلان قائمقاميته، ويأمرهم أن يحضروا بالقرب من مصر؛ فربما اقتضى الحال المعاونة»، وكان البكوات يريدون بقاء إقليم البهنسا - على وجه الخصوص - في أيديهم؛ ليعيشوا من إيراداته بدل حياة السلب والتخريب التي قالوا إنهم أرغموا عليها إرغاما بسبب إصرار الباب العالي والباشا العثماني على إخراجهم وطردهم من مصر، وذلك حتى تتضح نتائج سفارة الألفي في لندن، وانتظار الأمر من الباب العالي، وحضر البكوات؛ تلبية لدعوة طاهر باشا، وعسكروا أمام الجيزة (22 مايو) ولكن الحوادث لم تمهل «طاهر باشا» لتنفيذ سياسته.
ذلك أن الصعوبات سرعان ما أحاطت بقائمقاميته من كل جانب، فقد كان خسرو باشا الذي لم يصدر فرمان بعزله هو ممثل السلطان العثماني الشرعي في البلاد، وقد استطاع أن يقيم معسكره بالمنصورة، وأن يضع حامية قوية في الرحمانية للسيطرة على الملاحة في فرع رشيد، بينما أقامت حامية أخرى بمنوف، ولو أنه أهمل الاستيلاء على مدينة رشيد وقلعتها التي بقيت في أيدي جماعة من الأرنئود أرسلوا من القاهرة لاحتلالها بعد حادث فراره من القاهرة.
অজানা পৃষ্ঠা