316

১৯ শতকের শুরুতে মিশর (১৮০১-১৮১১) (প্রথম খণ্ড)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

জনগুলি

وأما صنفا العدل الباقيان: فالرابع هم أوساط الناس يراعون العدل في معاملتهم، والخامس والأخير، القائمون بسياسة نفوسهم وتعديل قواهم، وضبط جوارحهم، وانخراطهم في سلك العدول؛ لأن كل فرد من أفراد الإنسان مسئول عن رعاية رعيته، التي هي جوارحه وقواه، كما ورد: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. (4-4) رأيه في حكومة محمد علي

ولقد كان من الأسباب التي حملت الجبرتي على النفور من حكومة الباشا والطعن عليها وتجريحها، ما كسبه من تجارب على عهد استئثار البكوات المماليك بالسلطة والحكم في مصر، وأثناء احتلال الفرنسيين لها، ثم طوال المدة التي شهدها من حكم محمد علي نفسه، فاستطاع بفضل ذلك أن يعقد مقارنة، توخى على قدر طاقته أن تكون دقيقة وصحيحة بين هذه العهود الثلاثة، وقد تحدث الشيخ نفسه عن حرصه على التنزه عن الهوى في بحثه وكتابة تاريخه، فقال: «ولم أقصد بجمعه خدمة ذي جاه كبير أو طاعة وزير أو أمير، ولم أداهن فيه دولة بنفاق، أو مدح أو ذم مباين للأخلاق، لميل نفساني أو غرض جسماني، وأنا أستغفر الله من وصفي طريقا لم أسلكه، وتجارتي برأس مال لم أملكه.»

وأما المقياس الذي قيست به أحكامه على هذه العهود الثلاثة فكان النظرية التي تكونت لديه في شئون الحكم وأصول السياسة، على اعتبار أن العلم والعدل هما أساس الجماعة الإنسانية أو العمران البشري، فصار الحكام والمسئولون والأفراد العاديون - وهم جميعا الذين تتألف منهم الطبقات الخمس التي ذكرها - أحد شيئين: إما متصفين بالعلم والعدل، وإما منعوتين بالجور والظلم، وفي ضوء هذه النظرية إذا ينكشف في «تاريخه» كنه الحقائق التي أثبتها، ويستبين مغزى الإشارات والإلماعات التي سجلها، وتتبلور المعاني التي انطوت عليها الآراء التي بسطها.

ولكن الجبرتي وإن أخذ على نفسه توخي الحق في أحكامه التي أصدرها على هذه العهود الثلاثة، وبمقاييسه التي عرفناها؛ فقد كان من الواضح، أنه متأثر بنزعات وفكرات ومبادئ معينة، مبعثها البيئة التي نشأ فيها، ونوع الثقافة التي تثقف بها، وكانت هذه دينية وعلمية في آن واحد، والتجارب التي مرت به.

فهو لا يعتبر البكوات المماليك غرباء عن البلاد، بل يسميهم الأمراء المصرية ويحفظ لهم عهدا وودا بحكم صلات أبيه وأجداده، وصلاته هو نفسه بهم؛ ولأنه كان في عهد حكومة البكوات وأعظم كبرائهم سطوة، أن بلغ احترام الأشياخ والعلماء الذروة، واعترفت الهيئة الحاكمة بنفوذهم، بقبولها لوساطاتهم وشفاعاتهم في صالح الرعية. ولقد نعى الجبرتي على هؤلاء الأمراء ظلمهم وجورهم، ولكنه رفض أن يفقد الأمل في إمكان ارعوائهم عن قبيح فعلهم، وارتداعهم، يجل من أعاظمهم الأمير علي بك الكبير (القازدغلي) «صاحب الوقائع المذكورة، والحوادث المشهورة»، والذي كان لا يرضى لنفسه بدون السلطنة العظمى، والرياسة الكبرى ... ولا يجالس إلا أهل الوقار والحشمة والمسنين، وصادق العلماء والمشايخ واحترمهم وأجلهم، وكان من بين هؤلاء نور الدين حسن والد عبد الرحمن الجبرتي، تتبع المفسدين الذين يتداخلون في القضايا والدعاوى ويتحيلون على إبطال الحقوق بأخذ الرشوات والجعالات، وعاقبهم بالضرب الشديد والإهانة والقتل والنفي إلى البلاد البعيدة، ولم يراع في ذلك أحدا سواء كان متعمما أو فقيها أو قاضيا أو كاتبا، استتب في عهده الأمن، وأمن الناس على أرواحهم وأموالهم، وكان الجبرتي عند وفاة علي بك الكبير شابا يافعا في حوالي العشرين من عمره، ثم إنه لم يجد ما يأخذه على منتزع الملك منه، محمد بك أبي الذهب سوى قتله أهل يافا بإشارة وزرائه، ولولا ذلك لكانت حسنات أبي الذهب أكثر من سيئاته، واستطرد الشيخ يقول: «ولم يتفق لأمير مثله في كثرة المماليك وظهور شأنهم في المدة اليسيرة، وعظم أمرهم بعده، وانحرفت طباعهم عن قبول العدالة، ومالوا إلى طريق الجهالة، واشتروا المماليك فنشئوا على طرائقهم، وزادوا عن سوابقهم، وألفوا المظالم وظنوها مغانم، وتمادوا على الجور، وتلاحقوا في البغي على الفور، إلى أن حصل ما حصل، ونزل بالناس ما نزل»، ولم يكن ما حصل وما نزل - في رأي الجبرتي - سوى احتلال الفرنسيين لهذه البلاد ثم قيام حكومة محمد علي.

وكان مراد وإبراهيم اللذان استأثرا بالسلطة وبخاصة منذ عودتها إليهما في السنوات السبع التي سبقت مجيء الحملة الفرنسية، المسئولين عن هذه النكبات، فالأول كان «ظالما غشوما، مختالا معجبا، وهو كان من أعظم الأسباب في خراب الإقليم المصري بما تجدد منه ومماليكه وأتباعه من الجور والتهور ومسامحته لهم»، ومع ذلك وبالرغم من السيئات والنقائص التي عددها له، لم يفت الشيخ أن يذكر أن مرادا «كان يحب العلماء ويتأدب معهم وينصت لكلامهم ويقبل شفاعتهم ويميل طبعه إلى الإسلام والمسلمين، ويحب معاشرة الندماء والفصحاء وأهل الذوق والمتكلمين ... عطاياه جمة، ومواهبه وهمته فوق كل همة.» وأما إبراهيم، فقد كان «مرخصا لخشداشينه في أفعالهم، كثير التغافل عن مساويهم مع معارضتهم له في كثير من الأمور، وخصوصا مراد بك وأتباعه، فيغضي ويتجاوز ... وكان هذا الإهمال والترخص والتغافل سببا لمبادئ الشرور، فإنهم تمادوا في التعدي وداخلهم الغرور، وغمرتهم الغفلة عن عواقب الأمور، واستصغروا من عداهم، وامتدت أيديهم لأخذ أموال التجار وبضائع الإفرنج الفرنساوية وغيرهم بدون الثمن، مع الحقارة لهم ولغيرهم، وعدم المبالاة والاكتراث بسلطانهم العثماني الذي يدعون أنهم في طاعته مع مخالفة أوامره ومنع خزينته، واحتقار الولاية ومنعهم من التصرف والحجر عليهم، فكان هذا كله سبب زوال دولة البكوات على يد الفرنسيين أولا، ثم على يد محمد علي ثانيا، الذي فتك بأكثرهم وقضى على سلطانهم، وأدى الحال بإبراهيم إلى الخروج والتشتيت والتشريد، هو ومن بقي من عشيرته إلى بلاد السودان يزرعون الدخن ويتقوتون منه، وملابسهم القمصان التي يلبسها الجلابة في بلادهم.»

ولعل محمد بك الألفي الكبير، كان أكثر هؤلاء البكوات حظوة عند الشيخ الجبرتي، فهو الأمير الكبير، والضرغام الشهير، صادق الشيخ حسن العطار، صديق الجبرتي، وتردد عليه هذا الأخير كثيرا، وحضر مجالسه، وقال عنه إنه كان صحيح النظر في عواقب الأمور، ذهب إليه مرة عقب خروج الفرنسيين وعودة الحكم للعثمانيين، فوجده جالسا على السجادة فجلس معه ساعة، فدخل عليه بعض أمرائه يستأذنه في زواج إحدى زوجات من مات من خشداشينه، فنتر فيه وشتمه وطرده وقال للشيخ انظر إلى عقول هؤلاء المغفلين، يظنون أنهم استقروا بمصر، ويتزوجون ويتأهلون، مع أن جميع ما تقدم من حوادث الفرنسيس وغيرها أهون من الورطة التي نحن فيها الآن. ولقد تقدم في سياق هذه الدراسة ذكر الكثير من آراء الشيخ في الألفي الكبير، قال فيه عند وفاته: إنه كان «آخر من أدركنا من الأمراء المصريين شهامة وصراحة ونظرا في عواقب الأمور، وكان وحيدا في نفسه فريدا في أبناء جنسه، وبموته اضمحلت دولتهم، وتفرقت جمعيتهم، وانكسرت شوكتهم، وزادت نفرتهم، وما زالوا في نقص وإدبار ...»

ولقد كان الشيخ الجبرتي يود لو أن البكوات عدلوا وأصلحوا، ووضعوا للرعية ميزانا للعدالة وقانونا للسياسة، حتى تستقيم الأمور، ولكنهم جاروا وظلموا لحكمة أزلية، فنزلت بالبلاد الكوارث، وأولها مجيء الفرنسيس.

ويفسر موقف الشيخ من الاحتلال الفرنسي، مبدأه الآخر الذي أخذ به، وهو بغض الأجنبي الغاصب، ولكنه بغض يخلو من التعصب، فلا يصرف الشيخ إلى تعداد مساوئ الفرنسيين فحسب، ولا يجعله يجفل من التعاون معهم، فقد شاءت الحكمة الأزلية أن يسود الجهل بدلا من العلم، وأن يطغى الظلم فينمحي العدل، وأن يفضي اختلال الميزان، وزوال قانون الحكمة إلى تسلط هؤلاء الأجانب على البلاد.

كان الشيخ عند دخول الفرنسيين القاهرة، من بين الذين غادروها إلى الريف، فذهب إلى أبيار، ولكن إقامته بها لم تتجاوز عشرة أيام؛ لأن بونابرت طلب من الشيخين اللذين ترأسا الوفد الذي ذهب لمقابلته بعد واقعة الأهرام في يوليو 1798، مصطفى الصاوي وسليمان الفيومي، الكتابة للذين هربوا بالحضور، فكان الجبرتي من بين من كتبوا لهم.

অজানা পৃষ্ঠা