১৯ শতকের শুরুতে মিশর (১৮০১-১৮১১) (প্রথম খণ্ড)

মুহাম্মদ ফুআদ শুকরি d. 1392 AH
175

১৯ শতকের শুরুতে মিশর (১৮০১-১৮১১) (প্রথম খণ্ড)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

জনগুলি

وفي أثناء ذلك ورد على الباشا خبر الإنجليز، وأخذهم الإسكندرية وأن هؤلاء قد أرسلوا رسلهم إلى الأمراء القبالي، فارتبك في أمره وأرسل إلى المشايخ يستعجلهم في إجراء الصلح وقبولهم كل ما اشترطوه على الباشا، ولا يخالفهم في شيء يطلبونه أبدا.» ولما كان البكوات قد اختلفوا فيما بينهم، وظهر الانقسام في صفوفهم بالصورة التي أوضحناها فقد اجتمعوا ثانيا بالمشايخ، وقالوا لهم ما المراد بهذا الصلح؟ فقالوا المراد منه راحة الطرفين، ورفع الحروب، واجتماع الكلمة، ولا يخفاكم أن الإنجليز تخاصمت مع سلطان الإسلام، وأغارت على ممالكه، وطرقت ثغر إسكندرية، ودخلتها، وقصدهم أخذ الإقليم المصري كما فعل الفرنساوية، فقال البكوات: إن الإنجليز أتوا باستدعاء الألفي لنصرتنا ومساعدتنا، فقالوا لهم لا تصدقوا أقوالهم في ذلك، وإذا تملكوا البلاد لا يبقون على أحد من المسلمين، وحالهم ليس كحال الفرنساوية، فإن الفرنساوية لا يتدينون بدين، ويقولون بالحرية والتسوية، وأما هؤلاء الإنجليز فإنهم نصارى على دينهم، ولا تخفى عداوة الأديان، ولا يصح ولا ينبغي منكم الانتصار بالكفار على المسلمين، ولا الالتجاء إليهم، ثم استطرد الشيخ الجبرتي يقول: «وقد وعظوهم وذكروا لهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأن الله هداهم في طفوليتهم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وقد نشئوا في كفالة أسيادهم، وتربوا في حجور الفقهاء، وبين أظهر العلماء، وقرءوا القرآن، وتعلموا الشرائع، وقطعوا ما مضى من أعمارهم في دين الإسلام، وإقامة الصلوات، والحج والجهاد، ثم يفسدون أعمالهم آخر الأمر، ويوادون من حاد الله ورسوله، ويستعينون بهم على إخوانهم المسلمين ويملكونهم بلاد الإسلام يتحكمون في أهلها، فالعياذ بالله من ذلك.»

وكان بصحبة المشايخ مصطفى أفندي كتخدا قاضي العسكر، يكلم البكوات باللغة التركية ويترجم لهم أقوال المشايخ، وهو فصيح الكلام، فقال البكوات: «كل ما قلتموه وأبديتموه نعلمه، ولو تحققنا الأمن والصدق من مرسلكم (أي الباشا) ما حصل منا خلاف، ولحاربنا وقاتلنا بين يديه، ولكنه غدار لا يفي بعهد ولا وعد، ولا يبر في يمين ولا يصدق في قول، وقد تقدم أنه يصطلح معنا، وفي أثر ذلك يأتي لحربنا ويقتلنا ويمنع عنا من يأتي إلينا باحتياجاتنا من مصر، ويعاقب على ذلك حتى من يأتي من الباعة والمتسببين إلى الناحية التي نحن فيها، ولا يخفاكم أنه لما أتى القبودان صالح باشا ومعه الأوامر بالرضا والعفو الكامل عنا والأمر له بالخروج إلى ولاية سالونيك فلم يمتثل، وأرسل إلينا وخدعنا وتحيل علينا بإرسال الهدايا وصدقناه، واصطلحنا معه، فلما تم له الأمر غدر بنا، وما مراده بصلحنا إلا تأخرنا عن ذهابنا إلى الإنجليز ، فلا نذهب إليهم ولا نستعين بهم، وإن كان مراده يعطينا بلادا يصالحنا عليها، فها هي البلاد بأيدينا، وقد عمها الخراب، باستمرار الحروب من الفريقين، وقد تفرق شملنا وانهدمت دورنا، ولم يبق لنا ما نأسف عليه، أو نتحمل المذلة من أجله، وقد مات إخواننا ومماليكنا، فنحن نستمر على ما نحن معه عليه، حتى نموت عن آخرنا، ويرتاح قلبه من جهتنا.» فقال لهم: «الجماعة هي الأخرى وليس بعدها شر ولا حرب، بل بعدها الصداقة والمصافاة، ويعطيكم كل ما طلبتموه من بلاد وغيرها، فلو طلبتم من الإسكندرية إلى أسوان لا يمنع ذلك بشرط أن تكونوا معنا بالمساعدة في حرب الإنجليز، ودفعهم عن البلاد، وأيضا تسيرون بأجمعكم من البر الغربي، والباشا وعساكره من البر الشرقي، وعند انقضاء أمر الإنجليز ورجوعكم إلى بر الجيزة ينعقد مجلس الصلح بحضرة المشايخ الكبار والنقيب السيد عمر مكرم، والوجاقلية وأكابر العسكر، وإن شئتم عقدنا مجلس الصلح بالجيزة قبل التوجه لمحاربة الإنجليز، ولا شر بعد ذلك أبدا.»

فانخدع البكوات لذلك وأقنعتهم هذه التأكيدات الرسمية بصدق نوايا محمد علي.

وأمام الحجج التي استند عليها المشايخ بمهارة في بيان أن مسلك البكوات إذا آزروا الإنجليز ضد محمد علي يكون مخالفا لتقاليدهم ومناقضا لمعتقداتهم الدينية، لم يسع هؤلاء إلا قبول السلام وكتبوا أجوبة، ورجع بها مصطفى أفندي كتخدا القاضي وصحبته يحيى كاشف، ثم رجع إليهم ثانيا، وسار الفريقان إلى جهة مصر، وحضر المشايخ وأخبروا بما حصل، وقد بلغ المشايخ الثلاثة القاهرة يوم 8 أبريل.

ومع أنه كان من الواضح أن كلا الفريقين: البكوات ومحمد علي قد بيتا النية على تعليق تنفيذ هذا الاتفاق وإبرام الصلح نهائيا على ما قد تسفر عنه حملة الجنرال «فريزر» من نجاح أو فشل، بحيث إذا انتصر «فريزر» انضم إليه المماليك فورا، وإذا أخفق استأنف محمد علي الحرب في الصعيد، فقد أحرز الباشا في هذه المفاوضة مع البكوات نجاحا دبلوماسيا باهرا، إذ أعطاه هذا الاتفاق المبدئي فسحة الوقت التي أرادها للتفرغ فورا لمواجهة الإنجليز الذين وصلته - وهو بأسيوط في 4 أبريل - أخبار نزولهم بالإسكندرية واستيلائهم عليها؛ وعلى ذلك، فقد أخلى الباشا الصعيد، ثم نزل بجيشه بكل سرعة قاصدا القاهرة، واستولى البكوات وهم سائرون على الشاطئ الأيسر للنيل على البلدان التي أخلاها الجند الأتراك والأرنئود واحدة بعد الأخرى، وكان تقدمهم صوب الجيزة بطيئا للغاية.

ودخل محمد علي القاهرة ليلة الأحد 3 صفر 1222؛ أي في ساعة متأخرة من مساء السبت الموافق 11 أبريل 1807؛ أي بعد أن وصله نبأ تسليم الإسكندرية بأسبوع واحد فقط، أتم في خلاله الاتفاق مع البكوات القبالي، ولا صحة لما يزعمه الشيخ الجبرتي الذي وقع تحت تأثير ما شاهده من رعب وفزع في القاهرة عند ذيوع الخبر بدخول الإنجليز إلى الإسكندرية، ثم اعتزام الكثير من رؤساء الأرنئود وغيرهم الفرار إلى الشام، فتوهم أن الباشا قد أصابه هو الآخر الهلع، حتى صار يتعمد الإبطاء والتلكؤ في سيره يظن - كما قال الشيخ - ورودهم (أي الإنجليز) إلى المدينة (القاهرة)، فيسير مشرقا على طريق الشام ويكون له عذر بغيبته، والواقع أن الذي قيد حركته بعض الشيء كان بطء سير الجيش بعتاده ومهماته، حتى إذا اقترب الجيش من القاهرة، تركه محمد علي وراءه، وركب النيل حتى يصل بسرعة إلى القاهرة.

وعندما دخل محمد علي القاهرة، كانت الحال قد بدأت تتبدل تبدلا محسوسا، بسبب ما بلغ القاهريين منذ 3 أبريل عن هزيمة الإنجليز في رشيد، فقد صار الناس في أول الأمر ما بين مصدق ومكذب، فلما كان يوم 5 أبريل أشيع وصول رءوس القتلى ومن معهم من الأسرى إلى بولاق، فهرع الناس بالذهاب للفرجة، وشاهدوا ورءوس القتلى على نبابيت، وتأكد الخبر، وزال عن القاهريين الوهم الذي كان مستوليا عليهم، وبدءوا يستردون الثقة في نفوسهم، وبدأ المشايخ ومعهم السيد عمر مكرم ينشطون ويتحمسون. (7) هزيمة الإنجليز في رشيد (31 مارس 1807)

وكان «فريزر» بعد الاستيلاء على الإسكندرية لا يريد مبارحتها والقيام بعمليات عسكرية جديدة؛ لاعتقاده بأن القوات التي لديه لا تكفي لاحتلال الإسكندرية، ثم الاشتباك في الوقت نفسه في معارك جديدة مع العدو، لا سيما وأن أحدا من المماليك لم يستقبل جيش الحملة أو يتقدم لمعاونتها بعد نزولها واستيلائها على الإسكندرية، على خلاف ما كان يؤكد «مسيت» حدوثه قبل حضور الإنجليز، وقد طلب «فريزر» من هذا الأخير أن يكتب إلى البكوات غداة سقوط الإسكندرية يستعجلهم في الحضور، فبعث «مسيت» إليهم برسالة بتاريخ 22 مارس معنونة باسم إبراهيم بك وعثمان بك حسن وسائر البكوات والكشاف والمماليك، أبلغهم فيها نبأ استيلاء البريطانيين على الإسكندرية، ثم رغبة الجنرال «فريزر» في تعريفهم أنه لم يحضر إلى مصر لغرض فتحها، وإنما ليمنع الحكومة الفرنسية من تنفيذ مشروعها العدواني ضد هذه المقاطعة، وحتى يعيد إليها النظام والهدوء، وليعاون تلك الجماعات أو الأحزاب التي تريد عقد أواصر الصداقة مع بريطانيا العظمى، وقد خاطب «مسيت» البكوات في هذه الرسالة بقوله: ولذلك فمن الواجب عليكم إدراك كيف أنه من صالحكم كثيرا أن تربطوا أنفسكم بنا؛ حيث إن هذا الأمل الوحيد لكم لبلوغ غاياتكم إطلاقا، ولما كنت متيقنا من أنكم تقدرون تماما المزايا التي تنتفعون بها من وضع ثقتكم التامة في سخاء وكرم جلالة الملك البريطاني، وانتفاء أية مصلحة ذاتية له، فإني أدعوكم إلى إنقاذ شخص تثقون به ليبسط مطالبكم ورغائبكم أمام قائد القوات البريطانية الأعلى، وقد تعمد «مسيت» - كما هو ظاهر من رسالته هذه، وكما أكد هو بنفسه في كتابه إلى «وندهام» يوم 23 مارس ألا يتقيد فيما كتبه إلى البكوات بأية تعهدات محددة، ولو أنه كان يعتقد - كما ذكر «وندهام» - أنه لا أمل في محالفة البكوات وصداقتهم للإنجليز، إلا إذا ساعدهم هؤلاء مساعدة قوية فعالة في فتح القاهرة والاستحواذ عليها، وسواء كان من المنتظر أن يلبي البكوات نداءاته لهم أم أنهم في هذه الظروف قد لا يلبونها - وقد كان من المتوقع أنهم لن يفعلوا بسبب انقسامهم ومساعي محمد علي لديهم واتفاقهم الأخير معه - فإن «مسيت» لم يشأ انتظار جواب البكوات، وراح يلح على «فريزر» بضرورة احتلال رشيد، وعدم الوقوف جامدا بالإسكندرية.

وكان غرض «مسيت» من حمل «فريزر» على توسيع نطاق عملياته العسكرية، أن يثبت للمماليك دعواه التي كررها لهم دائما من أن احتلال مصر بأسرها، إنما هو غرض الحملة البريطانية التي صار يؤكد لهم قرب حضورها من مدة طويلة، ورسخ في ذهنه الآن أن القيام باحتلال رشيد ودخول الجيش البريطاني في عمليات عسكرية نشيطة من شأنه أن يدفع البكوات إلى العمل، ويكون حافزا لهم على التعجيل بالحضور من الصعيد يغني في حد ذاته عن التقيد بتلك التعهدات المحددة التي امتنع عن إعطائها لهم في رسالته الأخيرة إليهم؛ وعلى ذلك، فقد راح «مسيت» بدعوى الحاجة إلى المؤن اللازمة لجيش الاحتلال بالإسكندرية، وبوصفه الرجل ذا الخبرة والدراية بالشئون المحلية والذي أوصت التعليمات المعطاة إلى «فريزر» بوجوب الإصغاء إليه، يطلب من هذا الأخير احتلال رشيد، ثم سجل مطلبه هذا في كتاب إلى «فريزر» في 23 مارس جاء فيه: «إنه عندما سلمت الإسكندرية إلى الجيش الذي تحت قيادتكم، كانت كميات الحنطة الموجودة بالإسكندرية لا تكاد تكفي سكانها مدة أسبوعين، ولما كانت الرياح المعاكسة قد ألزمت النقالات على البقاء في خليج أبي قير، فقد تعذر على القومسيير العام (المشرف على تموين الجيش) أن يحصل على إمدادات من الأسطول، واضطر لذلك إلى أخذ قسم من القمح المخصص أصلا لاستهلاك المدينة (الإسكندرية) وكان بشيء من الصعوبة أن حصل من اللحم على ما يكفي الجند يوما واحدا فحسب، وبناء عليه، فإنه لن تنقضي أيام قليلة حتى يجد الإسكندريون أنفسهم وقد حرموا من غذائهم، وسوف لا يجد الجيش مناصا من الاعتماد في غذائه على المؤن المحفوظة أو القديد وهو غذاء غير صحي أبدا في الجو الحار؛ وعلى ذلك، وبسبب هذه الظروف أجد لزاما علي بصورة قاطعة أن ألح عليك في ضرورة احتلال مدينة رشيد فورا، وكذلك موقع الرحمانية، فمن الأولى تصدر الحنطة والأرز إلى هذا الميناء (الإسكندرية)، ثم إنه باستيلائك على الرحمانية تصير لك السيطرة على إقليم البحيرة الذي يمون الإسكندرية بالشعير والأغنام والثيران الصغيرة والجاموس، ولا يسعني إلا أن أذكر لك أن فرقا من الأرنئود تتدفق على مصر باستمرار، الأمر الذي يزيد من أعداء أولئك الذين يسومون الخسف أهل هذه المقاطعة التعسة، وينزل هؤلاء عند مجيئهم في دمياط، وإذا كنت لا ترى من الحكمة احتلال هذه المدينة، فإنه ليبدو ضروريا ولا غنى عنه أن يسأل القائد الأعلى لقوات جلالة الملك البريطاني البحرية في هذه السواحل لوضع مركب حربي عند هذا الميناء دمياط حتى يحول دون نزول الجند الذين تحملهم السفن إليه.»

وتردد «فريزر» في مبدأ الأمر؛ لعلمه أن في إنفاذه حملة إلى رشيد، خرق للتعليمات التي لديه والتي طلبت منه احتلال الإسكندرية فحسب، ولكنه لم يلبث أن غير رأيه بسبب إلحاح «مسيت» المستمر، ثم موافقة السير «داكويرث» على أخذ رشيد، وكان «داكويرث» بعد أن فشلت مظاهرته البحرية أمام القسطنطينية، قد وصل بأسطوله إلى أبي قير في 22 مارس، ولم يغادرها إلا يوم 29 مارس بعد أن ترك السير «توماس لويس»

অজানা পৃষ্ঠা