১৯ শতকের শুরুতে মিশর (১৮০১-১৮১১) (প্রথম খণ্ড)

মুহাম্মদ ফুআদ শুকরি d. 1392 AH
160

১৯ শতকের শুরুতে মিশর (১৮০১-১৮১১) (প্রথম খণ্ড)

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

জনগুলি

وهكذا يكون «دروفتي» قد بدأ يخطو تلك الخطوات التي نقلت السياسة الفرنسية من سلبيتها المعروفة إلى الإيجابية التي تبغي التدخل والتأثير على مجريات الحوادث بدلا من انتظار ما قد تسفر هذه عنه من نتائج مؤذية للمصالح الفرنسية والتسليم بالأمر الواقع، على أنه مما يجدر ذكره أن هذه الإيجابية في مرحلتها الأولى قد استهدفت مباشرة - وكما رأينا - إحباط مساعي الإنجليز وإقصاء الألفي عن السلطة، ثم إنها انطوت على تعزيز مركز محمد علي واستمراره في الحكم، ولم يؤيد «دروفتي» في مسعاه هذا من قريب أو بعيد صالح طائفة المماليك والبكوات التي يتزعمها صديق فرنسا عثمان البرديسي، وذلك لسبب واضح ذكره لتاليران هو اعتقاده أن البرديسي قد انحاز هو الآخر إلى جانب الإنجليز، وقد تحمل «دروفتي» على مسئوليته وحده - وكما ذكرنا سابقا - الآثار المترتبة على هذا التدخل، فمع أنه ظل يطلب تعليمات من حكومته، فإنه حتى نهاية شهر أغسطس قطعا لم تكن قد وصلت إليه أية تعليمات منها، أضف إلى هذا أن حكومته عندما أصدرت إليه تعليماتها كانت لا تزال متمسكة بسياستها السلبية القديمة، ولو أن «دروفتي» لم يلبث أن وجد في هذه التعليمات بالرغم من قصورها ما جعله يمضي قدما في سياسته الإيجابية وبدرجة من المرونة جعلته يقبل في آخر الأمر على مناصرة محمد علي كغرض أساسي يجب أن يهدف إليه مباشرة إذا شاء رعاية المصالح الفرنسية، ولو أن «دروفتي» حتى هذا الوقت لم يكن قد وصل إلى رأي قاطع في مسألة الإقبال على معاونة محمد علي، بل ظل يخيل إليه أن في وسعه إبعاد نفوذ الوكلاء الإنجليز عن البرديسي وتأليف حزب قوي من المماليك برئاسته يشل من نشاط هؤلاء، ويقدر على الدفاع عن البلاد إذا جاء الإنجليز بحملتهم التي وعدوا بها الألفي طويلا، على أنه كان لا بد من اقتناع «دروفتي» أولا بضرورة أن ينفض يده من البرديسي نهائيا حتى يقبل على مؤازرة محمد علي، وارتهن هذا التحول بما وقع من حوادث بعد ذلك، وفي هذه المرة كذلك تحمل «دروفتي» مسئولية سياسته على عاتقه وحده.

فقد فرغت حكومة الإمبراطور في باريس من إعداد تعليماتها التي طلبها «دروفتي» منذ 6 مايو وفي 22 يوليو؛ أي بعد أن تم انقلاب 13 مايو ونودي بولاية محمد علي في القاهرة، فاستهل «تاليران» كتابه إلى «دروفتي» بقوله: إنه تسلم رسالة هذا الأخير المؤرخة في 6 مايو والتي يطلب فيها تعليمات بشأن ما يجب أن يكون عليه مسلكه إذا أفضت الحوادث إلى وصول محمد علي إلى الحكم، على أنه بعد هذا التأخير الطويل، وبدلا من أن تأتي هذه التعليمات واضحة محددة، اتسمت بطابع المكيافيلية التي يبغي صاحبها عدم التقيد بخطة معينة بل يؤثر الاستفادة من الظروف، وفي صورة تدل على الحقيقة الواقعة وهي أنه لم يكن لدى الحكومة الفرنسية ذاتها وقتئذ أية سياسة إيجابية في المسألة المصرية، فقد خلت التعليمات من ذكر أية تفصيلات، واكتفت بدلا من ذلك بإجمال بعض القواعد العامة، كما أنها تضمنت توجيه اللوم والتقريع ل «دروفتي» وألزمته بعدم مغادرة مقر عمله بالإسكندرية مهما جرى من حوادث في القاهرة، فقال «تاليران»: «إن رغبة جلالة الإمبراطور هي أن تبقى في مقر عملك مهما وقع من حوادث في مصر، وأن تظل دائب الاتصال في الوقت نفسه بالسلطات ذات الكلمة العليا مهما كانت هذه؛ حيث إنه من المعروف بشأن المبادئ المقررة دائما فيما يتعلق بالوكلاء التجاريين في الليفانت (حوض البحر الأبيض الشرقي) أن واجب هؤلاء يقتضيهم عدم التدخل بأي حال من الأحوال في شئون الحكومة (المحلية)، ولما كان الواجب أن يبتعد هؤلاء عن كل أمر سياسي في جوهره، فإنه لما يستتبع ذلك ألا يكون للوكلاء التجاريين صلة ما بعمل الوكلاء السياسيين، فموضع الاهتمام إذن هو النظر فيما يعود بالنفع أو الضرر على التجارة الفرنسية من ناحية السلطة العامة القائمة فعلا.» أي إن مهمة «دروفتي» حسبما جاء في هذا القسم من التعليمات يجب أن تظل مقصورة على رعاية المصالح التجارية فحسب، وذلك عن طريق مراجعة السلطات القائمة فعلا فيما تدعو إليه الضرورة كإجراء عادي من أجل رعاية هذه المصالح ودون أن يكون لهذا الإجراء أية صفة سياسية، زد على ذلك أنه يؤخذ من هذا القسم من التعليمات كذلك أن الحكومة الفرنسية لا تزال متمسكة بسياستها السلبية في مصر، وهي السياسة التي تدور على الاعتراف بالأمر الواقع، بالرغم من كل ما حدث من وقائع بعد انقضاء بعثة «ماثيو لسبس» أهمها زيادة نشاط الوكلاء الإنجليز بعد عودة الألفي من سفارته المعروفة في لندن، والمناداة بولاية محمد علي في القاهرة، وبالرغم من أن «روفان»

Ruffin

منذ 22 يونيو و«باراندييه» منذ 24 يونيو قد أبلغا «تاليران» بعزم الباب العالي على إيفاد صالح أغا للفصل في النزاع القائم بين خورشيد ومحمد علي، مزودا بسلطات تخوله إعطاء الولاية لصاحب النفوذ الأقوى منهما وذلك عدا المعلومات التي بعث بها إليه «باراندييه» في 24 يونيو كذلك عن حالة الأحزاب في مصر، أو تلك التي ظل يبعث بها إليه كذلك «دروفتي» من الإسكندرية طوال شهور مايو ويونيو ويوليو، بما في ذلك النشرة الإخبارية التي أرسلها الوكلاء الفرنسيون من القاهرة في 12 يوليو عن قراءة الفرمانات التي يحملها صالح أغا بتعيين محمد علي في قائمقامية القاهرة استجابة لرغبات المشايخ.

بل إن «تاليران» لم يلبث أن أكد القاعدة التي طالب «دروفتي» باتباعها بوصفه وكيلا تجاريا، كما أكد سلبية سياسة حكومته عندما استمر يقول في القسم الثاني من تعليماته: ومهما يكن موئل هذه السلطة الفعلية في البلاد فواجب الوكلاء التجاريين أن يعتبروها سلطة شرعية ما دام لا يصدر عنها شيء من شأنه تعطيل نشاط وكالتهم أو إلحاق الأذى بالمصالح التجارية التي تعمل هذه الوكالة لحمايتها ورعايتها؛ وعلى ذلك، فإذا اتضح أن هناك تهيؤا لتغيير الإدارة أو الأداة الحكومية أو أن هذا التغيير قد وقع فعلا، فواجب الوكلاء التجاريين أن يلزموا الحكمة في مسلكهم، ثم إنهم قبل كل شيء في حاجة ظاهرة إلى مهارة كبيرة تتيح لهم إدراك ما سوف تنتهي إليه الحوادث سلفا، على أن «تاليران» لم يلبث أن اختتم تعليماته هذه بذكر قاعدتين أساسيتين للاسترشاد بهما عموما، فقال: وفي كل الحالات فهناك قاعدتان على الوكلاء التجاريين ألا ينحرفوا عنهما أبدا؛ أولا: عدم الاعتراف بأية سلطة أو حكومة إلا إذا قرر الانتصار مصير البلاد، وثانيا: عدم مغادرة مقر العمل مهما حدث من انقلابات وثورات داخلية.

ومعنى ذلك أن «دروفتي» عليه الابتعاد عن أي نشاط سياسي؛ وعليه تبعا لذلك الرضوخ للأمر الواقع والتسليم به، وفضلا عن ذلك فقد خلت هذه التعليمات من أية إرشادات عملية قد يستعين بها الوكلاء الفرنسيون في تكييف موقفهم مما يقع من حوادث يومية في البلاد، ومع ذلك، فقد استفاد «دروفتي» من الطابع المكيافيلي الذي اتسمت به هذه التعليمات من حيث إنها تركت لذكاء ومهارة الوكلاء الفرنسيين تقدير الحالات التي يجوز لهم فيها الاعتراف بالسلطات أو الحكومة القائمة، والتنبؤ سلفا بما سوف تفضي إليه الحوادث حتى يتسنى لهم رعاية المصالح التجارية الفرنسية، ولقد اعتمد «دروفتي» على ذكائه ومهارته ثم على قدرته على هذا التنبؤ في رسم الطريق الذي سار عليه قبل وصول هذه التعليمات إليه ثم بعد علمه بها، مستهدفا رعاية المصالح التجارية والتي كان من المتعذر على الوكلاء الأجانب لإنجلترة أو روسيا أو النمسا أو فرنسا ذاتها أن يفصلوا بينها وبين المصالح السياسية، ثم كان بعد شهر أغسطس 1805 أن بدأت تجتمع الأسباب التي جعلت «دروفتي» يمعن في تدخله في شئون السلطات المحلية من جهة، ثم يقبل علانية على تأييد محمد علي وحكومته من جهة أخرى.

المرحلة الثانية: مؤازرة محمد علي

ففي شهر سبتمبر 1805، أجاب محمد علي إجابة مرضية على مذكرة الاحتجاج التي بعث بها إليه «دروفتي» ضد الإتاوات والمغارم التي فرضتها حكومة الباشا على المحميين الفرنسيين، وكلف محمد علي «مانجان» أن يؤكد ل «دروفتي» أنه يميز الفرنسيين عن سائر رعايا الدول الأخرى، وعين فرنسيا طبيبا له هو «روير» الذي كان قد قصد إلى معسكر البكوات ولكنه لم يلبث أن ترك خدمتهم بسبب سوء معاملتهم له، فقبله محمد علي ، ومع أنه كانت تدور المفاوضات بين محمد علي والألفي وبينه وبين بكوات الصعيد، طوال الشهور التالية، وهي المفاوضات التي سبق أن تحدثنا عنها في فصول سابقة، فقد أخفقت هذه المفاوضات، وصرف الباشا جهده لتهيئة الوسائل التي يستطيع بها دفع العدوان الإنجليزي إذا جاءت الحملة التي ظل الوكلاء الإنجليز يذيعون أنها سوف تحضر قريبا بالاتفاق مع الباب العالي، فأوقف الباشا الحملة التي كان قد أعدها للسير إلى جدة (أكتوبر)، ثم شرع في تجهيز تجريدة عظيمة ضد الألفي في أوائل ديسمبر، وأبطل لذلك نهائيا حملة جدة، واقتنع «دروفتي» بأن الباشا لن يقبل الاتفاق مع الألفي، واطمأن باله من هذه الناحية، فكتب إلى «روفان» بالقسطنطينية في 9-19 فبراير 1806 أنه يعمل جادا لإحباط مساعي الوكلاء الإنجليز حماة الألفي، وأن الباشا يرحب بكل ما يحاول «دروفتي» إدخاله في روعه عنهم وعن خطورة تأثيرهم السيئ على الألفي، ولقد صرح محمد علي بأنه لن يتفاوض مع الألفي إلا إذا أقلع هذا عن الزهو والافتخار بحماية الإنجليز له.

وأزعج «دروفتي» ما صار يحيط بحكومة محمد علي من صعوبات مبعثها مطالبة الجند بمرتباتهم المتأخرة وتمرد الجنود في إمبابة والمنيا ومغادرة الأرنئود للجيش، وذهابهم للعمل مع البكوات، وحاجة الباشا الملحة إلى المال، مما زاد في خطورة مركزه وجعل الولاية ذاتها متأرجحة، وذلك كله في وقت كان مندوبو الألفي في القسطنطينية يتفاوضون مع الباب العالي لإخراج محمد علي من الولاية وإرجاع السيطرة المملوكية إلى البلاد برئاسة الألفي؛ أي تمكين النفوذ الإنجليزي منها كما كان يرى «دروفتي»، ثم تزايد انزعاجه بسبب انتصار الألفي في معركة النجيلة، حتى إنه كتب إلى «تاليران» في 2 يونيو 1806 أن أخبار المعارك الأخيرة لا تدع مجالا للشك في أن الألفي صنيعة الإنجليز سوف يصبح ذا نفوذ أكبر مما كان له حتى الآن، ومع أن نتائج مساعي مندوبيه في القسطنطينية والتي يؤيدها الإنجليز لا تزال غير معروفة، فإن وكلاءهم في الإسكندرية يزعمون أن الباب العالي سوف يستجيب لهذه المساعي.

ولقد حرص «دروفتي» على إرسال أخبار الموقف في مصر تباعا إلى حكومته، وكان ينتظر ولا شك أن يظفر من حكومته بتعليمات واضحة محدودة تبين له الطريق الواجب عليه أن يسلكه، لا سيما وأنه كان هنالك من القرائن ما يدل على أن مندوبي الألفي قد ينجحون في مهمتهم بفضل مؤازرة الإنجليز لهم على نحو ما اعتقد «دروفتي» ورجال السفارة الفرنسية في القسطنطينية ولكن حكومة الإمبراطور في باريس لم تشأ التخلي عن سياستها القديمة أو أنها على الأصح لم تشأ أن تختط لها سياسة واضحة المعالم في المسألة المصرية وينهض دليلا على تمسكها بسياستها السلبية السابقة تكليفها «ماثيو لسبس» بالعودة إلى مصر لاستئناف وظائفه بها، فقد كتب «ماثيو لسبس» إلى «تاليران» من فرساي في 22 مارس 1806 يخبره بأنه قد جاءه كتاب من رجل كان قد استخدمه رسولا سريا مع البكوات حين وجوده في هذه البلاد، يذكر له فيه أن البكوات بأسرهم ما عدا الألفي الذي يخلص الولاء لإنجلترة دائما يريدون أن يذكرهم الإمبراطور وأن يعتبرهم مستحقين للنجدة والمساعدة وأنهم لا يشتطون في مطالبهم الآن كما كانوا يفعلون في الماضي، فأجاب «تاليران» على هذه الرسالة في 12 أبريل بأن الإمبراطور قد أصدر أوامره إليه بإبلاغ «ماثيو لسبس» أنه يريد منه العودة دون إبطاء لاستئناف وظائفه في مصر، وأن التعليمات سوف تصدر إليه خلال الأسبوع المقبل، ويطلب منه الحضور إلى باريس لمقابلة الإمبراطور.

অজানা পৃষ্ঠা