ومن هنا عناية القدماء بالذهب الذي كانوا يبعثون البعثات إلى الأقطار النائية لجلبة واحتفالهم به ودفنه مع الموتى. •••
وكان الذهب بذلك وسيلة لنقل الحضارة - حضارة أبناء الشمس - في عصر الفراعنة من مصر إلى آسيا وأفريقيا وأوروبا بل إلى أمريكا، والآن يطوف السائح المنقب فيجد في تاريخ الأمم التي ينزل فيها أو في تقاليدها الباقية قصصا عن أبناء الآلهة الذين نزلوا فيها واكتشفوا الذهب.
وأبناء الآلهة هم أبناء الشمس أي رع، هم المصريون الذين أقاموا حيث كان الذهب وزرعوا وعملوا من حولهم التقويم الشمسي وتحنيط الموتى وبناء الهرم، ونقلوا الإنسان من العصر الحجري إلى الحضارة.
ولم تقف مهمة الذهب عند إفشاء الثقافة، فإن المصريين افتتحوا به عصر المعادن، واستخرجوا الناس واستعملوه أولا كما يستعمل الذهب للشبه الكبير بينهما، ثم وجدوا من صلابته ما يجعله صالحا للآلات فصاغوا منه الخناجر على هيئة الأسلحة الحجرية القديمة، ثم صنعوا السيف وهو خنجر طويل، ووجدوا في الرماد المتخلف من صهر النحاس مواد لصنع المينا التي يطلى بها الفخار، ثم ارتقوا من ذلك إلى صنع الزجاج.
وهكذا نجد سلسلة متعددة الحلقات من ألوان الرقي البشري نشأت جميعها على أسطورة قديمة هي أن الذهب يطيل العمر. •••
في هذا العام 1935 يبلغ السر جيمس فريزر الحادية والثمانين من عمره، وهذا العالم العظيم قد عرف وذاع صيته بكتاب يدعى «الغصن الذهبي» تعد صفحاته بالألوف، وهو مجموعة وافية من العادات والعبادات والشعائر وألوان السحر والعرافة والعقائد التي تتمشى في أنحاء العالم المتحضر والمتوحش، ولهذا الكتاب موجز تبلغ صفحاته 756.
والقارئ لهذا الكتاب يعجب بهمة المؤلف وجلده وإحاطته، وسيبقى هذا الكتاب خالدا بين الكتب التي تعد مراجع غالية وإن كان أساسه كله خطأ؛ فإن الحقائق المدونة فيه لها فائدتها التي يمكن كل قارئ أن ينتفع بها، أما استنتاجات المؤلف منها فقد ثبت خطأها ولا قيمة لها الآن.
فإن المؤلف يفرض أن الطبيعة البشرية واحدة في كل مكان، وأنها تستجيب للظواهر الطبيعية بعقائد متشابهة؛ ولذلك إذا عرفنا أن التحنيط معروف في بيرو في أمريكا السفلى وفي الجزر الملاوية في جنوبي أسيا وفي مصر وفي الكونجو، فإننا يجب أن نعرف أن الظروف تشابهت فاستجاب لها الإنسان في جميع هذه الأقطار استجابات متشابهة، فليس هناك إذن ما يدعونا إلى أن نفرض أن الثقافة انتقلت في مسألة التحنيط من قطر إلى آخر، وكذلك الشأن في اختراع الزراعة والاهتداء إلى المعادن ونظام الحكومة والكهانة والزواج إلى غير ذلك.
ولكن هل هذا هو الواقع الذي نستطيع أن ندعمه بشهادة الحياة التي يعيشها البشر أو قبائلهم أو أممهم المختلفة؟
إن الواقع يثبت أن الأمم أو القبائل أحيانا تتجاور ومع ذلك تعيش كل منها في حدود ثقافتها الموروثة، فهذه قبيلة تمارس الزراعة وأخرى تجاورها، ولكنها لا تزال تجمع الطعام جمعا ولا تستنتجه استنتاجا، وهذه طائفة تمارس عادات الزواج أو تحريم بعض الطعام فتخالف الطوائف الأخرى المحيطة بها، ولو أن الجميع يتجاورون ويختلطون. وكل ذلك لأن لكل منها تراثا ثقافيا يجعلها تحب وتكره ما لا يحبه غيرها أو يكرهه.
অজানা পৃষ্ঠা