মিরকাত মাফাতিহ শরহ মিশকাত আল-মাসাবিহ
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
প্রকাশক
دار الفكر
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
প্রকাশনার স্থান
بيروت - لبنان
يُسَنُّ لِلدَّاخِلِ أَنْ يَعُمَّ بِالسَّلَامِ، ثُمَّ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِالْكَلَامِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَالَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ إِنَّمَا فِيهِ الْإِفْرَادُ، وَهُوَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ. أَقُولُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ الظَّاهِرِ مِنْ إِيرَادِ الْجَمْعِ إِرَادَةَ التَّعْظِيمِ لَا قَصْدَ التَّعْمِيمِ فَكَأَنَّ الْقُرْطُبِيَّ جَعَلَهُ نَظِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١] فِي كَوْنِ الْخِطَابِ خَاصًّا، وَالْحُكْمِ عَامًّا (أَخْبِرْنِي) أَيْ: أَعْلِمْنِي، وَصِيغَةُ الْأَمْرِ لِلِاسْتِدْعَاءِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الرَّسُولَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْعُلْوِيَّةِ (عَنِ الْإِسْلَامِ): وَهُوَ لُغَةً الِانْقِيَادُ مُطْلَقًا، وَشَرْعًا الِانْقِيَادُ الظَّاهِرُ بِشَرْطِ انْقِيَادِ الْبَاطِنِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤] وَاللَّامُ فِيهِ لِلْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلِذَلِكَ أَجَابَ عَنْهُ بِالْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَجَوَابَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِيمَانِ، وَجَوَابُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَكِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ، وَجَامِعِ الْأُصُولِ، وَرِيَاضِ الصَّالِحِينَ، وَشَرْحِ السُّنَّةِ بِخِلَافِ الْمَصَابِيحِ، فَإِنَّهُ قَدَّمَ فِيهِ الْإِيمَانَ، وَالتَّصْدِيقَ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا لِأَنَّهُ أَسَاسُ قَاعِدَةِ الْإِسْلَامِ، لَكِنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى التَّصْدِيقِ، وَمَا جَاءَ جِبْرِيلُ ﵇ إِلَّا لِتَعْلِيمِ الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ ﵊ كَانَ يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ عَلَى مُقْتَضَى الْحِكَمِ التَّدْرِيجِيَّةِ فَيَبْدَأُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ، وَيَتَرَقَّى مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى فَيَكُونُ الْإِسْلَامُ مُقَدَّمًا عَلَى الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ عَلَى الْإِخْلَاصِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْإِحْسَانِ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بِتَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ عَنِ الْإِيمَانِ، لَكِنْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا عَنْ عُمَرَ، فَفِي إِيرَادِ الْحَدِيثِ هَذَا اللَّفْظَ اعْتِرَاضٌ فِعْلِيٌّ مِنْ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ عَلَى الْبَغَوِيِّ فِي الْمَصَابِيحِ، وَفِي رِوَايَةٍ بِتَوَسُّطِ الْإِحْسَانِ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ: إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ فَذُكِرَ فِي الْقَلْبِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ وَجْهَ التَّوَسُّطِ أَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِكُلٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: إِنَّ هَذَا التَّقْدِيمَ، وَالتَّأْخِيرَ مِنَ الرُّوَاةِ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ وَاحِدَةٌ فَكَانَ الْوَاقِعُ أَمْرًا وَاحِدًا عَبَّرَ الرُّوَاةُ عَنْهُ بِأَسَالِيبَ مُخْتَلِفَةٍ.
(قَالَ: (الْإِسْلَامُ)]: أَعَادَهُ، وَوَضَعَهُ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِ إِرَادَةً لِوُضُوحِهِ [(أَنْ تَشْهَدَ)] أَيْ: أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ خِطَابًا عَامًّا، وَلَمْ يَقُلْ تَعْلَمَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَبْلَغُ فِي الِانْكِشَافِ مِنْ مُطْلَقِ الْعِلْمِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكْفِ أَعْلَمُ عَنْ أَشْهَدُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَأَنَّ مَصْدَرِيَّةٌ، وَالتَّقْدِيرُ الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ [(أَنْ)]: وَهِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ أَيْ: أَنَّهُ، وَالضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ [(لَا إِلَهَ)]: لَا هِيَ النَّافِيَةُ لِلْجِنْسِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْصِيصِ عَلَى نَفْيِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ [(إِلَّا اللَّهُ)]: قِيلَ: خَبَرُ لَا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَحْذُوفٌ، وَالْأَحْسَنُ فِيهِ لَا إِلَهَ مَعْبُودٌ بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ إِلَّا اللَّهُ، وَلِكَوْنِ الْجَلَالَةِ اسْمًا لِلذَّاتِ الْمُسْتَجْمِعِ لِكَمَالِ الصِّفَاتِ، وَعَلَمًا لِلْمَعْبُودِ بِالْحَقِّ، قِيلَ: لَوْ بُدِّلَ بِالرَّحْمَنِ لَا يَصِحُّ بِهِ التَّوْحِيدُ الْمُطْلَقُ، ثُمَّ قِيلَ: التَّوْحِيدُ هُوَ الْحُكْمُ بِوَحْدَانِيَّةِ الشَّيْءِ، وَالْعِلْمُ بِهَا، وَاصْطِلَاحًا إِثْبَاتُ ذَاتِ اللَّهِ بِوَحْدَانَيَّتِهِ مَنْعُوتًا بِالتَّنَزُّهِ عَمَّا يُشَابِهُهُ اعْتِقَادًا فَقَوْلًا، وَعَمَلًا فَيَقِينًا، وَعِرْفَانًا فَمُشَاهَدَةً، وَعِيَانًا فَثُبُوتًا، وَدَوَامًا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: لِلتَّوْحِيدِ لُبَّانِ، وَقِشْرَانِ كَاللَّوْزِ فَالْقِشْرَةُ الْعُلْيَا الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ الْمُجَرَّدِ، وَالثَّانِيَةُ الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ جَازِمًا، وَاللُّبُّ أَنْ يَنْكَشِفَ بِنُورِ اللَّهِ سِرُّ التَّوْحِيدِ بِأَنْ يَرَى الْأَشْيَاءَ الْكَثِيرَةَ صَادِرَةً عَنْ فَاعِلٍ وَاحِدٍ، وَيَعْرِفَ سِلْسِلَةَ الْأَسْبَابِ مُرْتَبِطَةً بِمُسَبِّبَاتِهَا، وَلُبُّ اللُّبِّ أَنْ لَا يَرَى فِي الْوُجُودِ إِلَّا وَاحِدًا، وَيَسْتَغْرِقُ فِي الْوَاحِدِ الْحَقِّ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إِلَى غَيْرِهِ. [(وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ)]: إِيمَاءٌ إِلَى النُّبُوَّةِ، وَهُمَا أَصْلَانِ مُتَلَازِمَانِ فِي إِقَامَةِ الدِّينِ ضَرُورَةَ تَوَقُّفِ الْإِسْلَامِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُؤَيِّدُ مَنْ قَالَ الْإِقْرَارُ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ أَيْ: تُوَحِّدَهُ، وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا أَيْ: مِنَ الْأَشْيَاءِ، أَوِ الْإِشْرَاكِ. قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: مُجَرَّدُ التَّوْحِيدِ هُوَ الِاحْتِجَابُ بِالْجَمْعِ عَنِ التَّفْصِيلِ، وَهُوَ مَحْضُ الْجَبْرِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْإِبَاحَةِ، وَمُجَرَّدُ إِسْنَادِ الْقَوْلِ، وَالْفِعْلِ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ، وَسَائِرِ الْخَلْقِ احْتِجَابٌ بِالتَّفْصِيلِ عَنِ الْجَمْعِ الَّذِى هُوَ صَرْفُ الْقُدْرَةِ الْمُؤَدِّي إِلَى التَّعَطِيلِ، أَوِ الثَّنَوَيَّةِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْحَقُّ الْمَحْضُ. قَالَ فِي الْعَوَارِفِ: الْجَمْعُ اتِّصَالٌ لَا يُشَاهِدُ صَاحِبُهُ إِلَّا الْحَقَّ فَمَنْ شَاهَدَ غَيْرَهُ فَمَا ثَمَّ جَمْعٌ، وَالتَّفْرِقَةُ شُهُودٌ لِمَا شَاهَدَ بِالْمُبَايَنَةِ فَقَوْلُهُ: آمَنَّا بِاللَّهِ جَمْعٌ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا تَفْرِقَةٌ اهـ. وَكَذَا قَوْلُهُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ تَفْرِقَةٌ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ جَمْعٌ، وَالْأَوَّلُ رَدٌّ عَلَى الْجَبْرِيَّةِ، وَالثَّانِي حَطٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: الْقُرْبُ بِالْوَجْدِ جَمْعٌ، وَغَيْبَتُهُ فِي الْبَشَرِيَّةِ تَفْرِقَةٌ، وَكُلُّ جَمْعٍ بِلَا تَفْرِقَةٍ زَنْدَقَةٌ، وَكُلُّ تَفْرِقَةٍ بِلَا جَمْعٍ تَعْطِيلٌ
1 / 53