176

মিরকাত মাফাতিহ শরহ মিশকাত আল-মাসাবিহ

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

প্রকাশক

دار الفكر

সংস্করণের সংখ্যা

الأولى

প্রকাশনার বছর

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

প্রকাশনার স্থান

بيروت - لبنان

خُلِقَ عَلَى حَالَةٍ لَا تَنْفَكُّ عَنْ ظُلْمَةٍ؛ إِلَّا مَنْ أَصَابَهُ مِنَ النُّورِ الْمُلْقَى عَلَيْهِمْ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْحٌ إِلَى الْقَضَاءِ؛ كَقَوْلِهِ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ؛ فَأَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
١٠٢ - وَعَنْ أَنَسٍ ﵁، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ! آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: " نَعَمْ؟ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
١٠٢ - (وَعَنْ أَنَسٍ): ﵁ (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكْثِرُ) مِنَ الْإِكْثَارِ (أَنْ يَقُولَ): هَذَا الْقَوْلَ (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ) أَيْ: مُصَرِّفُهَا تَارَةً إِلَى الطَّاعَةِ، وَتَارَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ، وَتَارَةً إِلَى الْحَضْرَةِ، وَتَارَةً إِلَى الْغَفْلَةِ، («ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»)، أَيِ: اجْعَلْهُ ثَابِتًا عَلَى دِينِكَ غَيْرَ مَائِلٍ عَنِ الدِّينِ الْقَوِيمِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالْخُلُقِ الْعَظِيمِ (فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ) أَيْ: بِنُبُّوتِكَ، وَرِسَالَتِكَ (وَبِمَا جِئْتَ بِهِ): مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟): يَعْنِي أَنَّ قَوْلَكَ هَذَا لَيْسَ لِنَفْسِكَ؛ لِأَنَّكَ فِي عِصْمَةٍ مِنَ الْخَطَأِ وَالزَّلَّةِ خُصُوصًا مِنْ تَقَلُّبِ الْقَلْبِ عَنِ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَعْلِيمُ الْأُمَّةِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا مِنْ زَوَالِ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ، أَوِ الِانْتِقَالِ مِنَ الْكَمَالِ إِلَى النُّقْصَانِ؟ (قَالَ: نَعَمْ): يَعْنِي أَخَافُ عَلَيْكُمْ (إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ): وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ: (مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ) . وَالْفَرْقُ أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِهِ ثَمَّةَ فَالرَّحْمَةُ سَبَقَتِ الْغَضَبَ، فَنَاسَبَ ذِكْرُ الرَّحْمَنِ، وَهُنَا وَقَعَ تَأْيِيدًا لِلْخَوْفِ عَلَيْهِمْ، فَالْمَقَامُ مَقَامُ هَيْبَةٍ وَإِجْلَالٍ، فَنَاسَبَ ذِكْرُ مَقَامِ الْجَلَالَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَنْ يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ مِنْ هِدَايَةٍ أَوْ ضَلَالَةٍ، (يُقَلِّبُهَا) أَيِ: الْقُلُوبَ (كَيْفَ يَشَاءُ): مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ: تَقْلِيبًا يُرِيدُهُ، أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ أَيْ: يُقَلِّبُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَهَا. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
١٠٣ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " «مَثَلُ الْقَلْبِ كَرِيشَةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ يُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ» ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
ــ
١٠٣ - (وَعَنْ أَبِي مُوسَى): ﵁ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَثَلُ الْقَلْبِ) أَيْ: صِفَةُ الْقَلْبِ الْعَجِيبَةُ الشَّأْنِ، وَمَا يَرِدُ علَيْهِ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ مِنَ الدَّوَاعِي، وَسُرْعَةِ تَقَلُّبِهِ بِسَبَبِهَا، (كَرِيشَةٍ) أَيْ: كَصِفَةِ رِيشَةٍ، وَهِيَ وَحْدَةُ الرِّيشِ، (بِأَرْضٍ): بِالتَّنْوِينِ، وَقِيلَ بِالْإِضَافَةِ، (فَلَاةٍ): صِفَةٌ أَيْ: مَفَازَةٌ خَالِيَةٌ مِنَ النَّبَاتِ، قِيلَ ذِكْرُ الْأَرْضِ مُقْحَمٌ؛ لِأَنَّ الْفَلَاةَ تَدُلُّ عَلَيْهَا، فَالْمَقْصُودُ التَّأْكِيدُ لِدَفْعِ التَّجَوُّزِ كَمَا فِي أَبْصَرْتُهَا بِعَيْنِي، وَتَخْصِيصُ الْفَلَاةِ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيبَ فِيهَا أَشَدُّ مِنَ الْعُمْرَانِ (يُقَلِّبُهَا الرِّيَاحُ): بِالتَّذْكِيرِ، وَقِيلَ: بِالتَّأْنِيثِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: صِفَةٌ أُخْرَى لِرِيشَةٍ، وَجَمَعَ الرِّيَاحَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ظُهُورِ التَّقْلِيبِ. إِذْ لَوِ اسْتَمَرَّ الرِّيحُ عَلَى جَانِبٍ وَاحِدٍ لَمْ يَظْهَرِ التَّقَلُّبُ، (ظَهْرًا لَبَطَنٍ) أَيْ: وَبَطْنًا لِظَهْرٍ يَعْنِي كُلَّ سَاعَةٍ يُقَلِّبُهَا عَلَى صِفَةٍ، فَكَذَا الْقَلْبُ يَنْقَلِبُ سَاعَةً مِنَ الْخَيْرِ إِلَى الشَّرِّ، وَبِالْعَكْسِ، وَقَوْلُ: ظَهْرًا بَدَلُ

1 / 178