ثمة أصوات تقتحم الصمت خارج الحجرة في البنسيون. رفعت رأسي عن الكتاب وأنصت. ضيف أم نزيل جديد؟ صوت ماريانا يرحب بحرارة لا تليق إلا بصديق حميم. وثمة ضحك أيضا. ثم وضحت نبرة غليظة من صوت أجوف. ترى من القادم؟ الوقت بعد العصر بقليل. والمطر ينهل بشدة، والغيوم تريق في الحجرة ظلمة كالليل. ضغطت على زر الأباجورة حين لمع برق خاطف نضح به الشيش، وهزم الرعد.
يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان •••
يميل إلى القصر والبدانة، منتفخ الشدقين واللغد، وله عينان زرقاوان رغم سمرة بشرته، ذو طابع أرستقراطي لا تخطئه العين وينم عنه صمته المتكبر إذا صمت، وحركات رأسه ويديه المتزنة المرسومة بدقة إذا تكلم. قدمته المدام باسم «طلبة بك مرزوق» في مجلس المساء، ثم قالت تزيدني معرفة به: كان وكيلا لوزارة الأوقاف ومن الأعيان الكبار.
لم يكن عندي في حاجة إلى تعريف. عرفته من بعيد بحكم مهنتي على عهد النضال السياسي والحزبي. كان من المنتمين إلى أحزاب السراي، وبطبيعة الحال من أعداء الوفد. وتذكرت أيضا أنه وضع تحت الحراسة منذ عام أو أكثر وأنه جرد من موارده عدا القدر المعلوم. أما المدام فقد تبدت في أحسن أحوالها مرحا وعاطفية، نوهت مرارا بصداقتها القديمة لطلبة بك. وبرز حماسها المتدفق عندما دعته بمحبها القديم.
وقال لي الرجل ونحن نتبادل الحديث: قرأت لك كثيرا فيما مضى.
فضحكت ضحكة ذات مغزى فضحك بدوره قائلا: كنت تعطيني مثلا حيا لقوة البلاغة عندما تتصدى للدفاع عن باطل!
وضحك طويلا ولكنني لم أجادله. وقالت المدام تخاطبني بشماتة: طلبة بك تلميذ قديم للجزويت، سنسمع الأغاني الإفرنجية معا ونتركك لتتعذب وحدك.
ثم بسطت راحتيها في ترحيب وقالت: جاء ليقيم معنا.
فرحبت به فعادت تقول في رثاء: كان يملك ألف فدان، كان يلعب بالمال لعبا.
هنا قال الرجل بامتعاض: انقضى عهد اللعب. - وأين كريمتك يا طلبة بك؟ - في الكويت مع زوجها المقاول.
অজানা পৃষ্ঠা