فصل:
قيل: لا يدرك العلم من لا يطيل درسه، ولا يكد نفسه؛ ولا يصير عليه إلا من يري العلم مغما، والجهالة مغرما، وربما استثقل المتعلم كثرة الدرس والحفظ، واتكل على الرجوع إلى الكتب، فهو كمن أطلق ما صاده ثقة بالقدرة عليه؛ فأعقبته الثقة خجلا وندما، والعرب تقول: حرف في قلبك خير من ألف في كتبك، وقال النبي (صلي الله عليه وسلم): "مذاكرة العلم ساعة أحب إلى الله من عبادة عشرة آلاف سنة".
وقال أبو محمد رحمه الله: هذا علم لا يدركه إلا من أسهر ليله بالتلاوة، واشتغل نهاره بالبحث عنه؛ حتى يحفظ لفظ الروايات، ويعرف المحكمات من المتشابهات، والناسخات من المنسوخات.
فأما من نبذ القرآن وراء ظهره، وقطع بالبطالة أيام عمره ثم لم يتعرض للخوض فيها، وهو لا يقف على معانيه لم يكن له عدو اعدي من لسانه، ولا ناصح أعدل من شأنه.
فرحم الله من اقتدي بفرائض الله، وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم، وجعل العلم دثاره وشعاره، وأخذ نفسه بالتعليم، وجعل الفقه همه، واقتدي بأشياخه السالفين، واتبع آثارهم، واهتدي بمن أدرك منهم، وأجاد الاستماع عنهم، وصدق الرواية عنهم، ونصح لله جل اسمه، وأحب لله ولرسوله، وأبغض لهما، وراح متعلما، أو عالما، أو مستمعا، واهتدي بقول النبي صلي الله عليه وسلم وأخذ به.
وقال أبو الدرداء: إن أخوف ما أخاف: أن يقال لي: علمت فما عملت فيما علمت.
فصل:
روي عن عيسي (عليه السلام) أنه قال: يا صاحب العلم؛ إنه لا يجتمع الماء والنار في إناء واحد، كذلك لا يجتمع العلم والدنيا في قلب واحد، ثم قال: بحق أقول لكم: لا تريدون الدنيا، ولا الآخرة؛ لو كنتم تريدون الآخرة لأكرمتم العلم الذي به تدركون الدنيا، لا أنتم عبيد أتقياء، ولا أحرار كرام.
وقال الأعمش: إذا رأيتم الفقيه يأتي باب السلطان؛ فأعلموا أنه لص.
পৃষ্ঠা ৩৬