إن الانسان بفطرته يبحث عن صانعه وخالقه، يريد أن يعرف من هو الذي أوجده بعد أن لم يكن، وأعطاه هذه الجوارح والأعضاء والقوى {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} (1)، وأنعم عليه بما لا يعد ولا يحصى {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} (2).
ويريد أن يعرف هذا المنعم الحقيقي، ليقوم بوظيفته العقلية، وهي شكر المنعم الحقيقي.
ومن ناحية أخرى يدرك الانسان أن الله تعالى - الذي هو خالق الحس والمحسوس، والوهم والموهوم، والعقل والمعقول، السبوح القدوس عن جميع النقائص والقبائح، الذي لا يتناهى جماله وكماله - أعظم وأعلى وأجل من أن يكون طرفا لخطاب مخلوق مملوء بالجهل والخطأ والهوى، فيجيبه مباشرة على أسئلته، ويوجهه إلى ما يجب ويحرم عليه في أيام حياته.
فلا بد من وجود واسطة بين الله تعالى وبين خلقه، له صورة الانسان وصفاته ليتعامل مع الناس، وله عقل منزه عن الخطأ، ونفس مقدسة عن الهوى، وسيرة ربانية، ليكون - على وفق قانون تناسب الفاعل والقابل - أهلا لتنوره بنور الوحي، ولتلقي الهداية والمعرفة من الله تعالى، فيفتح أبوابها للبشر، وينقذ الانسان من تفريطه في تعطيل العقل عن معرفة الله، ومن إفراطه في تشبيه الحق بالخلق، ويهديه إلى الدين القيم والصراط المستقيم {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذ لكم وصيكم به لعلكم تتقون} (3).
পৃষ্ঠা ৫৬