وأما الثاني، وهو أن تحصيل ما هو لطف بهذه الصفة التي هي كونه لطفا في جميع ما كلفناه واجب فلأنه يجري مجرى دفع الضرر عن النفس فإنه إذا فعل الطاعات دفع عن نفسه ضرر العقاب ولا يتم فعلها طاعة إلا بعد معرفة المطاع ووجوب دفع الضرر عن النفس معلوم ضرورة مظنونا كان أو معلوما، إلا أن وجه الوجوب في المعلوم هو كونه دفعا للضرر، وفي المظنون هو الظن لدفع الضرر، وقد ذهب أبو علي مرة إلى أن وجه وجوب المعرفة وجوب شكر النعمة، وكون أحدنا يتمكن بها من ذلك، وهو باطل؛ لأن شكر نعمة الله تعالى لا تجب إلا بعد معرفته، ومعرفة أنه وجه قصد الإحسان، وإن وجبا للشكر أمكن تأديته مشروطا، وإن لم يحصل معرفته وذهب مرة إلى أن وجه وجوبها قبح تركها، وهو الجهل والظن، ونحوهما، وأبطله صاحب شرح الأصول بأن ذلك إنما يستقيم لو لم يمكن الانفكاك عن القبيح إلا إلى المعرفة، ومعناه أن المعرفة حينئذ تكون قد منعت من وقوع /22/ القبيح.
قال: وأما مع إمكان الإنفكاك بأن لا يفعلها ولا ما يضادها فإنما ذكره لا يستقيم، ولأبي علي أن يقول أن لا يفعل ترك، والترك عندي فعل فهو قبيح حقيقي، وهو عندكم كالقبيح من حيث كان جهة كافية في استحقاق الذم، وإذا كان كذلك فقد صار أحدنا لا ينفك عن المعرفة إلا إلى ما يستحق به الذم، ويمكن الجواب بأنه وإن كان كذلك إلا أن عدم فعله للمعرفة إنما يقبح إذا ثبت وجوب المعرفة، فلا يمكن أن يجعل وجها في وجوبها؛ لأنه دور.
পৃষ্ঠা ৩৩