وبعد فتحديد العقل بالمعقولات إحالة، فإن كل من لا يعلم العقل لا يعلم المعقول.
وذهبت الطرفية إلى أنه القلب، ويبطله لزوم أن يكون كل ذي قلب غافلا.
وذهبت الفلاسفة إلى أنه جوهر بسيط، هذا ما حكا أصحابنا عنهم، وهو كما حكوه، إلا أنهم أرادوا بذلك العقل الفعال الذي يؤثر في النفوس المؤثرة في الأجسام، وهو الملك عندهم، وسيأتي تحقيق قولهم وإبطاله.
وأما العقل بالمعنى الذي يريده المتكلمون فقد حكاه الغزالي عنه فيه قريبا مما يقوله أصحابنا، وهو التصورات والتصديقات الحاصلة بالفطرة، أي بالضرورة، إلا أنهم لا يسمونه علوما؛ لأن العلم عندهم ما كان إكتسابيا، وهو اصطلاح مجرد.
وذهب أبو الحسين إلى أن القلب إذا كان مبنيا بنية مخصوصة جرى مع المعقولات مجرى العين الصحيحة مع المرئيات، فكما يجب في الحر منا أن يرى إذا صحت عينه واعتدلت كذلك يجب إذا صحت بنية قلبه واعتدلت، وأدرك المدركات وزال اللبس أن يعلمه، وإذا علمها وجب أن يعلم ما يتفرع عنها من كثير من صفاتها وأحكامها نحو أن الشيء لا يخلو من النفي والإثبات وقبح بعضها ووجوب بعضها مما يعده الجمهور من علوم العقل، ويمكن أن يقال له مع ما تقدم أن بنية قلب النائم صحيحة معتدلة، وهو لا يعقل.
وبعد فقياسه للقلب على العين بعيد ؛ لأن العين حاسة يدرك بها، ويمكن استعمالها في المدرك ضربا من الاستعمال، والقلب ليس كذلك.
وبعد، فقوله إذا اعتدلت بنية قلبه وأدرك المدركات وجب أن يعرفها وما يتفرع عنها لا ينافي ما يقوله الجمهور، لكنهم يجعلون تلك المعرفة من علوم العقل.
পৃষ্ঠা ২৫