مما يدني المتيقن من المضطر زيادة إيمان باتفاق، ولم تكن العلة فيه إلا أنه زيادة تصديق. فكذلك كل ما حادث من طاعة فهو فصل تصديق، لأن الطاعة لا تكون إلا لأمر مرغوب إليه مرغوب إياه. فإذا وجدت من أحد كان وجودها تصديقا بالمعبود والموعود. فوجب أن يكون ذلك إيمانا، وحدوثه حدوث إيمان.
فإن قال: التصديق الواقع بالفعل هذا الذي سبق وقوعه بالاعتقاد. وإنما الفعل إظهار لذلك التصديق! قيل: هذا لا يمنع من أن يكون الفعل تصديقا سوى التصديق الواقع بالاعتقاد. فيكون انضمامه إليه زيادة تصديق حادث، كما أن الإقرار إظهار للمعتقد أيضا ثم لا يمنع ذلك من أن يكون تصديقا سوى التصديق الواقع بالاعتقاد، ويكون انضمامه إليه زيادة تصديق حادث والله أعلم.
وأما قول الله ﷿: ﴿ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا﴾. فليس المراد به: أن المؤمنين يزدادون يقينا، وإنما هو: ويصدق المؤمنون بالله ورسوله. فهذا الخبر غير شاكين فيه، فيزداد إيمانهم بانضمام شعبة منه إلى شعبة تقدمتها، وهذا يوجب أن يكون تصديق حادث زيادة إيمان. وما من طاعة تحدث إلا وهي تصديق حادث كما بينت، فوجب أن يكون إيمانا.
ووجه آخر للمسألة: وهو أن الله ﷿ سمى الصلاة إيمانا، فقال في كتابه نصا: ﴿وما كان الله ليضيع إيمانكم﴾. وأجمع المفسرون على أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس. فثبت أن الصلاة إيمان. وإذا ثبت ذلك، فكل طاعة إيمان، إذ لم أعلم فارقا فرق في هذه التسمية بين الصلاة وسائر الطاعات.
ووجه آخر يدل على أن الطاعات كلها إيمان. وهو أن المؤمن إذا طرى الإيمان في الوقت بعد الوقت. فجدد الاعتقاد وكرر الإقرار، كان ذلك إيمانا منه. وإنما كان كذلك، لأنه بر وقربة، فكذلك كل طاعة فهي بر وقربة وعبادة فإن أنكروا ما قلناه ثبتناه عليهم بالدليل وقلنا لهم: لما كان الاعتقاد والإقرار إيمانا وجب إذا كرروا
1 / 37