ووجه آخر: وهو أنه ما لا يلائم الكفر ولا يكون معه برا وقربة فهو إيمان كالإقرار.
ووجه آخر: وهو أن الله ﷿ وصف المؤمنين في كتابه فقال: ﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، أولئك هم المؤمنون حقا﴾، فلما أخبر ﷿: أن المؤمنين هم الذين جمعوا هذه الأعمال، دلل ذلك على أنها من جوامع الإيمان.
فإن قيل: هذا حجة عليكم! لأن الله جل وعز أثبت أن هؤلاء مؤمنون حقا. وأنتم تقولون: أن هؤلاء الموصوفين إن لم يحجوا، ولم يجاهدوا من غير وقوع الكفاية بغيرهم، أو دعي أحدهم إلى شهادة قد تحملها فأبى، أو جحد وديعة عنده، أو كذب، أو قتل، أو زنا، أو سرق، أو شرب خمرا، فليسوا المؤمنين حقا، لأن إيمانهم إيمان ناقص، فالآية توجب أن يكونوا مؤمنين حقا. فهي إذا حجة عليكم!
فالجواب: أن هذه معارضة ساقطة عنا، لأن الآية فيمن إذا تليت عليه آيات الله زادته إيمانا، وليس المتخلف عن الفرائض، والقعود عن الواجبات اللوازم، من زيادة الإيمان بسبيل. فالآية فيمن إذا ذكر الله وجل قلبه، وليس ارتكاب المعاصي ومخالفة الأوامر من إمارات الوجل. فصح أن الذين بيننا: أن يكونوا مؤمنين حقا أو حسبنا أن يكونوا ناقصي الإيمان، غير داخلين في الآية. وأيضا فإنه إذا ثبت أن الموصوفين في الآية، إنما كانوا بما استوجبوا اسم المؤمنين حقا لمكان الأعمال التي وصفهم الله بها، ولم تكن الأعمال المتعبد بها هذه وحدها، صح أن المراد بذكرها هي وما في معناها من الأعمال المفروضة أو المندوب إليها، والصلاة إشارة إلى الطاعات التي تقام بالأبدان خاصة، والإنفاق مما رزق الله ﷿ إلى الطاعات التي تقام بالأموال، ووجل القلوب إشارة إلى الاستقامة من كل وجه. ويدخل فيها إقام الطاعات والابتعاد عن المعاصي. وأيضا فإن الله ﷿ وصف الصلاة: أنها تنهي عن الفحشاء والمنكر. فبان بذلك، أن المحافظ على الصلوات، المقيم بها كما شرعت، الموفي حقها من الاستكانة والتباؤس والخشوع لا
1 / 34