فإن قال قائل: ما أنكرتم أن الإيمان هو التصديق بالقلب وحده لقول الله ﷿: ﴿قالت الأعراب آمنا، قل: لن تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم﴾. فأخبر أن القول ليس بإيمان وأن ما في القلب هو الإيمان.
فالجواب: أن الآية إن كانت توجب أن لا يكون القول إيمانا، فإنما ذلك في القول العاري عن الاعتقاد، ولسنا نخالف ذلك، بل نقول به، فإن قال: فإن في الآية أن التصديق بالقلب إيمان، وإنه لو كان في قلوبهم، لكانوا مؤمنين. قيل: لو كان في قلوبهم لكانوا مؤمنين لجمعهم بين التصديق بالقلب والقول باللسان لا التصديق بالقلب وحده، لأن الله تعالى وصفهم بالقول، لا إنه سلب ذلك القول اسم الإيمان ليعري القلب عن حقيقته، فدل على أن حقيقته إذا كانت موجودة في القلب كان وجود الإيمان بالقلب واللسان معا لا بأحدهما دون الآخر. فإن قال: ما أنكرتم أن الاعتقاد وحده إيمان، لأن من سلب البيان يصح منه الإيمان بقلبه، ومن سلب العقل لم يصح الإيمان منه بلسانه. فعلم أن مدار الإيمان على القلب لا على اللسان! فالجواب أن من سلب البيان صحت منه الصلاة بلا كلام، ومن سلب العقل لم تصح له صلاة أصلا، ولا يدل ذلك على أن الجمع بين العقل والقول غير محتاج إليه في وجود حقيقة الصلاة عند القدرة على الجمع بينهما، فكذلك ما ذكرتم، ثم لا يدل على أن الجمع بين العقل والقول غير محتاج إليه في وجود حقيقة الإيمان عند القدرة على الجمع بينهما. وأيضا فإن من سلب العقل، كما لا يصح منه الإيمان بلسانه فكذلك لا يصح منه الكفر بلسانه، وذلك لا يدل على أن الكفر النافي للإيمان لا يقع باللسان، فلذلك امتناع صحة الإيمان من المجنون لا يدل على أن نفي الكفر لا يقع باللسان، والله أعلم.
فإن قال: لما كان المكره على الكفر يحفظ الإيمان على نفسه بالثبات على اعتقاده مع إجرائه الكفر على لسانه، دل ذلك على أن الاعتماد في الإيمان على القلب.
فالجواب: أن المكره ليس يحفظ الإيمان على نفسه، بمجرد الاعتقاد، لكن به وبالإقرار السابق الذي قدمه ثم لم يتبعه ما ينقصه، وذلك أن القول الذي أكره عليه،
1 / 30