أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها). ومعلوم أن الإيمان هو الواجب للعصمة، فلما أخبر النبي ﷺ: أن العصمة المزايلة بالكفر تثبت بالقول، صح أن القول إيمان، وأن الحاجة إليه كالحاجة إلى الاعتقاد لانتفاء الكفر، والنظر يدل على صحة هذا القول، لأن اللسان محل التوحيد كالقلب، فإن القاصد إلى الإيمان كما يخطر بقلبه أن لا إله إلا الله، ويوطن نفسه على أن ذلك كذلك، فيكون موحدا بقلبه. فكذلك يجري لسانه بمثل ما كسب قلبه ويعبر عما في ضميره فيقول: لا إله إلا الله، فيكون موحدا بلسانه، فبان بذلك أن كل واحد من القلب واللسان محل التوحيد، ووجب إذا كان اعتقاد التوحيد أمرا لا ينتفي الكفر بدونه أن يكون القول باللسان في هذا مثله، وأن لا يقضي بزوال الكفر مع خلو محل التوحيد وبالله التوفيق.
ووجه آخر: وهو أن الكفر لما كان يقوم بالعقد وحده وبالقول وحده، لأن من تكلم بكلمة الكفر مختار عالما بمعناها غير حاك لها عن غيره كفر، وإن ما كان لا يعتقد أن ما تنبي عنه الكلمة صحيح، كما أن من اعتقد ضربا من ضروب الكفر كفر، وإن لم يعبر عنه بلسانه. دل ذلك على أنه لا ينتفي إلا باجتماع العقد والقول على نفيه، لأنه لما احتيج إلى عقد القلب لنفي الكفر لم تكن العلة فيه، إلا أن فساد العقد مثبت للكفر، وهذا المعنى موجود في القول لأن فساده موجب للكفر، فصح أنه محتاج إليه لنفي الكفر كالعقد، فوجب أن لا يثبت الإيمان إلا بالجمع بين الاعتقاد الصحيح والإقرار الصريح وبالله التوفيق.
ووجه آخر: وهو أن الإجماع قد حصل على أن الإقرار فرض، وإن كان مختلف في أن البراءة من الكفر تقع من دونه أو لا تقع، فلا يخلو وجوبه من أوجه ثلاثة.
أما أن يكون لشغل جاز حتى التوحيد للجمع بذلك بين ظاهر الإيمان وباطنه، أو
1 / 27