هو من شمال الشام من المعرة القريبة من حلب قاعدة الحمدانيين، مات سيف الدولة قبل مولد الشاعر بثمان سنوات، ولكن كانت آثار عهده لا تزال قائمة؛ شعر المتنبي، فلسفة الفارابي، نحو ابن جني، الجوار العربي الرومي القائم على تبادل المنافع في ظل حرب الإمامة الفاطمية في القاهرة، وسعيها نحو نشر مذهبها وسلطانها، القرامطة وحركاتهم في الجزيرة العربية وفي العراق والشام، جموع العشائر البدوية ومحاولات شيوخها إنشاء إمارات تقوم على العصبية القبلية، وفي المعرة وغيرها من الأمصار قدر من العصبية المحضرية، يجمع الأهلين في كل منها حول ما يقرب من الحكم الذاتي.
والعصر الذي ولد فيه أبو العلاء كان كما نرى عصر اضطراب، ولكنه كان يحتوي على جميع ما يصلح لتركيب ثقافة شاملة، وشرط هذا وجود المدرسة الجامعية تتولى التأليف.
ولم يقدر لأبي العلاء العمل في المدرسة الجامعية؛ كما أتيح فيما بعد للغزالي فعمل وحيدا.
اختار العزلة منذ أن قرر العودة إلى المعرة من بغداد، ولا يعرف على وجه التحقيق أكانت عودته لما بلغه من مرض أمه، أم لمهانة أصابته.
عاد معتزما لزوم داره، أبلغ أهل المعرة عزمه هذا، وطلب إليهم ألا يخفوا للقائه إذا بلغ القرية، ولا لزيارته إذا استقر في داره.
فاجأهم بهذا عندما انصرف عن العراق مجتمع أهل الجدول، وموطن بقية السلف، كما قال، على أنه لم يبين لم فعل ذلك، بل اكتفى بالقول بأنه بعد أن قضى الحداثة فانقضت، وودع الشبيبة فمضت، وحلب الدهر أشطره، وجرب خيره وشره، وجد العزلة في أوفق ما يصنع في أيام الحياة.
وقال: إنه استخار الله فيه بعد جلاته على نفر يوثق بخصائلهم، فكلهم رآه حزما، وعده إذا تم رشدا، وفرض على نفسه عدم الزواج والنسل، وحظر عليها أكل الحيوان وما يخرج منه، وعاش على العدس والزيت والتين والدبس، مع خشونة الملبس والفراش على أن الناس لم يتركوه، فأقبل عليه الطلاب من أبعد الأقطار الإسلامية، يطلبون عنده العلم والأدب، ومات وسنه الرابعة والثمانون.
وبعد: أفله رسالة؟ أكل ما خلف تشاؤم ونقد وسخرية فقط من قبيل المقام؟
مل المقام فكم أعاشر أمة
أمرت بغير صلاحها وأمراؤها
অজানা পৃষ্ঠা