মিন ওয়ারা মিনজার
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
জনগুলি
ودخل رجل فشكا إلى الشيخ أن ابنه لا ينام ليله مستريحا، وتناول الشيخ ورقا وقلما وخط له حجابا وصرفه فخرج الرجل فرحا مطمئنا، ودخل ثان فشكا إليه أنه محروم من البنين، وأنه يتحرق شوقا إلى غلام يؤنسه وللشيخ ما يطلب. وضحك الشيخ من سذاجته إذ يصرح أمام الناس أو يظن أن الشيخ يطلب شيئا، وطلب الشيخ منه منديلا فلم يجد معه شيئا فأخذ طاقيته ووضعها في حجره، وقرأ ثم قرأ وردها إليه وبشره بغلام؛ ونهض الرجل وكأنه يحمل بين يديه ذلك الغلام ...
ودخلت امراة ملففة في ثيابها وطرحتها ترجو من الشيخ رقية لوحيدها كي يعيش، فجاد عليها الشيخ برقية وخرجت المرأة مزهوة، ودخلت بعدها أخرى تستجير ببركة الشيخ، فإن ابنتها يرتعد جسدها الملتهب، وتمسكها «الملعونة» حتى ما تفارقها، وفهمت أنا أن المسكينة مريضة بحمى ربما كانت الملاريا، وأمرها الشيخ أن تحضر وعاء به ماء، فذهبت فأحضرته، وتناوله الشيخ فقرأ ثم قرأ، وصاحبي ينظر دهشا، وبصق فيه الشيخ والعياذ بالله، بصقة على رغم علم صاحبي وفلسفته، وناوله المرأة لتشرب ابنتها من ذلك الماء أثناء الليل وكم تمنيت لو قفزت من مكاني، فحطمت ذلك الوعاء وأسلت بركته على رأس الشيخ!
ودخل شاب قوي البنية، بادي الجرأة، فما دنا من الشيخ حتى صرخ الشيخ في وجهه يطرده ويصيح به: أيها العاصي، ابعد عني، وتوسل الشاب إليه حتى سمح له بالجلوس، وأمر الشيخ دراويشه، فطرحوا ذلك الفتى ورفعوا رجليه على نحو ما يفعل معلم الصبيان في المكتب، وتناول الشيخ عصاه وهم بضربه، فاستجار الفتى بالنبي، فما كاد يسمع الشيخ لفظ النبي حتى ألقى العصا وهم واقفا، ثم أمر أعوانه فأطلقوه، وأخذ عليه الشيخ العهود والمواثيق ويده على المصحف، ثم صرفه والناس يعجبون كيف عرف الشيخ أنه شقي، ونسوا أن للشيخ دراويش هم مصدر علمه اللدني العجيب.
وجاء بعد ذلك أمر حيرنا معا أنا وصاحبي، وحار منظاري حتى كدت أظن أن الشيخ أفسد ما له من سحر بكراماته، فقد جيء للشيخ بأربعة فتيان متهمين في سرقة، فجلسوا أمامه يرتعدون فرقا وكلهم ينكر ما نسب إليه، ولما يئس منهم الشيخ طلب بيضة بطة أو إوزة فذهب صاحب الدار ليحضرها، ولما عاد بها قابله أحد الدراويش عند الباب وأخذها منه، ثم وضعها في جيبه حتى طلبها الشيخ فأخرجها وأعطاها إياه أمام أعيننا ووضعها الشيخ تحت يسراه، ثم قرأ وقرأ وقال إنه سيرفع يده فتتجه البيضة إلى السارق، ونظر في وجوه الفتية فأصروا على إنكارهم، وما كان أشد عجبي وعجب الجالسين جميعا أن رأينا الشيخ يرفع يده فتظل البيضة في مكانها بضع ثوان، ثم تبدأ تتدحرج وتقف، ثم تتدحرج وتقف، وعظم خوف السارق بطبيعة الحال، وقبل أن تنحرف البيضة إلى من سرق أخذها الشيخ وقد بعدت عنه نحو ثلاثة أذرع، وأمر الفتية أن يخرجوا فيفضي من سرق منهم بسره إلى من يرسله معهم من الدراويش، وعاد ذلك الدرويش بعد قليل يحمل الحلي المسروقة!
وأقبل من في الحجرة على الشيخ يقبلون يديه، ونظر إلي صاحبي وقال في لهجة عجيبة: «وما قولك؟ بل ماذا يرى منظارك في هذه المعجزة؟» ونهض الشيخ واقفا، فدعا دراويشه ومن جلس معه إلى «حلقة ذكر» وبدأ ذلك الذكر في حماسة شديدة، واشتدت الحركات وارتفعت الأصوات، ونسي الناس أنفسم حول الشيخ وعظمت الرهبة في وجه صاحبي الشاب، فأمسكت بذراعه مخافة أن يثب فينضم إلى الحلقة!
وكان موعد تقديم الطعام قد قرب فانتظرنا وصاحبي حتى انتهت لحظة التجلي، وخرجنا بعد أن سلمنا من بعد على الشيخ ومن معه، وسرنا وصاحبي يسألني في لهجة كلهجة طفل خارج من ملعب يستوضح أباه حركة «بهلوان»؛ ولم نكد نبعد حتى سمعنا من يشاركنا الحديث، فإذا هو أحد دراويش الشيخ السالفين وهو اليوم من الخارجين عليه، وقال ضاحكا: طول ما في البلد مغفلين، وأكل العيش سهل يا سيدنا الأفندي البيضة كانت مجودة في جيب صاحبنا الشيخ غير البيضة الثانية، وهي فارغة وفي جوفها خنفسة ... دا شغل إحنا عارفينه، وبكرة ياما يشيل الشيخ من الطيور والسمن والخرفان وهو خارج من البلد ...
وضحك صاحبي وأخذ يعود إلى جحوده ونكرانه.
مصري من الخارج
عرفته قبل أن يسافر ولقيته بعد عودته من الخارج ، وأشهد لقد آمنت إيمانا لن يكون بعده جحود بما للخارج من عظمة، وتعاظمني ما بيننا نحن الشرقيين من بون في الحضارة وبين سادتنا الغربيين، حتى لقد أوشك يتملكني اليأس من أي إصلاح لحالنا، إلا أن نرتل جميعا عالمنا قبل جاهلنا وكبيرنا قبل صغيرنا - اللهم خلا من سلف له أن سافر - بعثة واحدة في وقت معا إلى بلاد الغرب لنعود بعدها كأهل تلك البلاد لنا ثقافتهم، ولنا ذوقهم ولنا أسلوبهم فيما يأتون من ضروب التفكير والأعمال، ما جل منها وما هان.
ولا يحملن القارئ كلامي على اللهو والمبالغة، فالأمر أجل وأخطر من أن يسمح بشيء من هذا، ولو أنه رأى ذلك الذي أتحدث عنه، كما رأيته قبل سفره وبعد أوبته، لأيقن أني جاد كل الجد، مقتصد غاية القصد فيما أقول، وحسبك أنه اغترب زمنا ثم عاد إلى وطنه العزيز، وهو شخص آخر قد تغير تغيرا جوهريا من جميع نواحيه إلا ناحية واحدة ستعلم نبأها بعد حين، وقد تم له ذلك على صورة أرى من الميسور معها علي أن أصدق أن لماء التاميز وغيره من أنهار إنجلترة فعلا سحريا، فما هو إلا أن ينزل المرء فيه أو أن يغترف منه غرفة فحسب، حتى يصبح مهما كانت جنسيته، بل إنه ليصبح وإن لم تك جنسيته إلا تلك الحلقة المفقودة التي لفقها خيال العلماء، إنجليزي المظهر والجوهر والخلق!
অজানা পৃষ্ঠা