নকল থেকে সৃষ্টির প্রক্রিয়া
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص
জনগুলি
هجوم الغزالي على الفلاسفة لم يكن نقدا للفلسفة بل دفاعا عن السلطة كما فعل من قبل في الهجوم على كل فرق المعارضة العلنية مثل المعتزلة في «الاقتصاد في الاعتقاد» والسرية مثل الشيعة في «فضائح الباطنية». سلطة العقائد الفرقة الناجية في الظاهر، وسلطة الدولة في الحقيقة. ومن ثم كان دفاع ابن رشد عن الفلسفة دفاعا عنها في الظاهر، وعن المعارضة في الحقيقة، ونقد السلطة القائمة. المعركة في ظاهرها فكرية وفي حقيقتها سياسية. يتجلى مشروع ابن رشد الثلاثي إذن في التوحيد بين الدين والفلسفة أي بين السلطة والمعارضة في «فصل المقال»، ثم الدفاع عن الدين باسم الفلسفة أي عن السلطة باسم المعارضة في «مناهج الأدلة»، ثم الدفاع عن الفلسفة باسم الدين أي عن المعارضة باسم السلطة في «تهافت التهافت». يبرز مشروع ابن رشد في نقد السلطة، سلطة الدين الممثلة في الأشعرية والتصوف والشافعية، والتي جسدها الغزالي دفاعا عن العقل الذي مثلته المعتزلة والحنفية وعن المصلحة التي مثلتها المالكية اعتمادا على ظاهر الشرع وتأويله الصحيح كما هو الحال عند الحنابلة.
108
ونقد ابن رشد للغزالي نقد منهجي صرف، يتعلق بنوع الأقاويل التي يذكرها الغزالي. فإذا سقط الشكل سقط المضمون. وإذا انهار المنطق فسد الموضوع كما هو الحال عند القاضي في رفض الدعوى لفساد في الشكل قبل النظر في المضمون. لذلك كان الأولى بالغزالي تسمية كتابه «التهافت» بإطلاق وليس «تهافت الفلاسفة». وتعني مراتب الأقاويل درجات البرهان أي مراتبها في التصديق والإقناع كحجج خطابية أو جدلية وسوفسطائية أو حتى شعرية. أقوال الغزالي ركيكة أشنع من الجدل والسوفسطائي والخطابي، إنكار الضروري وجعل الممكن ضروريا والضروري ممتنعا في إطار الجدل مع الخصوم بالرغم من التمييز بين الاثنين. وهو ما يسمى في المنطق بالمعاندة الخطبية الضعيفة أو السوفسطائية. والتعاند ذاتي وليس موضوعيا، في المجادل وليس في الشرط طبقا لتمييز ابن رشد بين القول والشيء، الخطاب وموضوعه.
109
لقد نقل أبو حامد مذاهب الفلاسفة في تهافته وفي سائر كتبه دون أن يراعي شروط أقاويلهم كي يصرف الناس عنها. فشره أكثر من خيره. نقل الظن دون اليقين، والجدل دون البرهان. أبرز الحكمة لغير أهلها، ونهى عن المنكر بمنكر أعظم منه مع أن الحكمة النظر في الأشياء بحسب ما تقتضيه طبيعة البرهان. وخلط بين الضروري والممكن والممتنع. هناك أشياء ضرورية يراها الخصم ممتنعة وأشياء ممتنعة يراها ضرورية. والحقيقة أن كليهما ممكن وليس أحدهما بأولى الممكنين. السلطة والمعارضة كلاهما ممكن طبقا لمنهج الحد الأدنى وادعاء الضرورة عند الخصمين واحد، ليس أحدهما أولى من الآخر. وعندما يتساوى موقفان احتمالا، لا يكون أحدهما أولى من الآخر، وهو نوع من قياس الأولى سلبا.
110
وقد وقع الغزالي في التصور الأشعري الساذج للعقائد، وأنكر على الفلاسفة تأويلاتهم المجازية وهو أول المتأولين، وكثير من ملاحظاته على أقوال الفلاسفة - خاصة ابن سينا - جعلت بعض أفكاره الجزئية وكأنها مذهب كلي. وأحيانا يجيب عنهم بجواب لا يطابق السؤال. ولا يدافع ابن رشد عن الفلاسفة ولكن يبين أن نقد الغزالي لهم ضعيف، وأن ابن رشد قادر على نقدهم نقدا صحيحا أكثر من نقد الغزالي لهم. ومن ثم كانت دلالة الحوار، أي الطرفين صاحب الحجج الأقوى أهم من مضمونه وحججه. لا يدافع ابن رشد عن الفلاسفة المسلمين على طول الخط بل ينقدهم خاصة إذا كان ممثلهم ابن سينا. وقد أتت عيوبهم من معركتهم مع المتكلمين. فقد تسلموا بعض مقدماتهم منهم. وبالتالي يكون نقدهم هو نقد للمتكلمين. العيب في الكلام أساسا قبل أن يكون من الفلسفة. الكلام أصل الداء. والهجوم على الفلسفة هو في الحقيقة هجوم على الكلام. وابن سينا ليس نموذجا للفلاسفة ولا أقواله نموذجا لأقوالهم، فكثير من أجوبة ابن سينا عن الفلاسفة أقوال سوفسطائية. وكثير من الغلط على الحكماء في اعتبار ابن سينا ممثلا لهم. مع أنه غير مذاهب القدماء في العلم الإلهي حتى صار ظنيا. ولا يوجه إليه ابن رشد أي نقد سياسي كما يفعل مع الغزالي، ولا يرجعه إلى ظروف زمانه وعصره، ولا يفترض إبداعه من خلال القراءة، ويفهمه من خلال ضرورة المطابقة بين الشارح والمشروح.
111
لذلك تصور أن أقاويل الفلاسفة من جنس أقاويله، أقاويل جدلية من جنس أقاويل المتكلمين؛ لأنه لا يعرف ماذا يعني البرهان، وأن الخلاف بين أقوال الفلاسفة وأقوال المتكلمين هو في جنس القول، الخلاف بين القول البرهاني والقول الجدلي. لم يكن الغزالي قاضيا بل كان منحازا. انحاز إلى المتكلمين ضد الفلاسفة أي إلى الجدل ضد البرهان. فجاءت أقاويله أقرب إلى التهافت والتناقض. الجدل أقل من البرهان وقصور عن المعاني التي يدركها العقل. وهو أقصى ما وصل إليه الغزالي من برهان. فنفي الكثرة عن العلم الإلهي لا ينفيه عن المعلومات إلا عن طريق الجدل. وأقل من الجدل الأقاويل المشهورة أو المنكرة أو الغريبة، وكلها أقاويل غير برهانية بل إن معظم أقاويل الغزالي سوفسطائية ناتجة عن اشتراك الاسم، وهي أبعد الأقاويل عن البرهان، ولم تصل بعد إلى مرتبة الجدل.
112
অজানা পৃষ্ঠা