জানালা থেকে
من النافذة
জনগুলি
قالت: «نعم.»
قلت: «اسمعي. ما أرى إذن إلا أنك تفسدين حياتك بعنادك وقلة عقلك. ألم أقل لك احذري أن تحرميه شيئا فيضطر أن يطلبه خارج بيته، لماذا تقذفين به إلى الشارع وتحوجينه إليه؟ اسمعي مني وارجعي إليه، واعذريني إذا كنت أعظك وأثقل عليك، فإني أضن بك على الخيبة.»
قالت: «ولكن كيف يمكن أن أرجع وهو لا يأتي؟»
قلت: «آه. الكرامة! طيب يا ستي. سأجيئك به فتهيئي للقائه والرجوع معه بلا كلام، وكوني له ومعه على ما يحب.»
وأحسبها سعيدة أو راضية، فما رأيتها بعد ذلك، وإن كنت أشتاق إلى المعرفة؛ فإني أحس أني مسئول عنها إلى حد ما؛ ألست قد علمتها ما تعلمت؟! ***
ماذا وراء هذا الظاهر الذي يبدو لنا أو الذي تدركه حواسنا؟ أو ما هي الحقيقة الكامنة وراء هذه الظواهر التي نحسها أو نجتليها؟ في هذا ذهبت أفكر يوما، وأنا جالس إلى نافذتي، فقلت لنفسي: إن الله - جلت قدرته - قد خلق لنا عيونا تشبه عدسة آلة التصوير، ولو شاء غير ذلك لكان له تعالى ما أراد، وكان من الممكن أن يجعلها كالمجهر الذي ترى به الجراثيم وما إليها مما لا يتبدى لعيوننا العارية. ولو فعل - جل وعلا - ذلك لاختلف الكون فيما ترى عيوننا حينئذ، ولكان غير الذي نراه الآن. ولو شاء لجعل لنا آذانا أقوى فسمعنا أصواتا كثيرة من حيث لا نحس الآن إلا السكون التام. ولكان يسعه سبحانه أيضا أن يزودنا بحواس أخرى غير الخمس التي آتانا إياها، ورزقنا عشرا مثلا، فنصبح بها عمالقة، ونرتفع بفضلها فوق طبقة البشرية - كما نعهدها في أنفسنا.
وذهبت أفكر في قصور حواسنا، وقلة جدواها، وخطأ ما تفيدنا من العلم، فقلت لنفسي: إن العين العارية ترى مثلا سطحا مستويا، ولا تستطيع - على فرط التحديق - أن تتبين إلا أنه أملس ناعم مصقول، ولكنا لو جئنا بميكروسكوب قوي، ونظرنا به، لوجدنا هذا السطح الذي بدا لنا ناعما أملس، مضرسا وعرا غير مستو ذا تلال وأودية، فأيهما أولى بالتصديق؟ العين المجردة أم المجهر الذي يرينا ما لا يسعنا أن نرى. إنه لا يسعنا في حياتنا العادية إلا أن نأخذ بما ندركه بهذه الحواس القاصرة، ولكنه لا يسعنا أيضا إلا أن نؤمن بصحة ما كشف لنا عنه العلم، وأن نسلم أن لكل شيء في هذه الدنيا وجهين: ظاهرا؛ وهو الذي لا تستطيع الحواس أن تعدوه، وباطنا أو حقيقة؛ وهو الذي يهدينا إليه ما نتوسل به من أدوات العلم الحديث. فنحن لا ندرك سوى جانب يسير محدود، حين تقتصر على ما تفيدنا الحواس، وليس الذي ندركه بحواسنا - بالقياس إلى الحقيقة التي وراء المظهر - إلا كالثياب التي نرتديها، وتنطوي علينا، وتغطينا وتحجبنا. وما تدلنا الحواس إلا على القليل القريب المتناول، والمحجوب عنها أكثر، فلا مفر لنا من توسيع نطاق وعينا جيدا إذا أردنا أن ندرك شيئا ما على حقيقته.
وتذكرت وأنا أفكر في هذا ما كان أستاذنا في المدرسة يقوله لنا فنستغربه، ونصدقه لأن إثباته سهل؛ وذلك أنه إذا كان قطاران يجريان في اتجاه واحد، وبسرعة واحدة، فإن الراكب في أحدهما يخيل إليه أن القطار الآخر ثابت لا حركة له، فلو اكتفى المرء بما يفيده النظر وحده لغلط وركبه الوهم. فلا سبيل إلى الحقيقة إذا كان المعول على الحواس وحدها. وشاهد ذلك حكاية العميان الذين صادفوا فيلا، فوقعت يد أحدهم على خرطومه، ويد ثان على ساقه ... وهكذا، وقال عنه كل منهم ما أفاده إحساسه بالعضو الذي لمسه.
وأنظر إلى بعض الأشياء فأراها ثابتة ولا يبدو أنها تتغير، وألمسها وأتحسسها وأجسها فلا أخرج بغير ذلك، ولا يخالجني شك في استقرارها والتزامها حالة لا تعدوها! ولكن العلم يقول لي: إن في هذه الأجسام التي أراها ثابتة حركة مستمرة، وإن عناصرها المحجوبة لا تنفك تتنقل، وإن ما يسمى «إلكترونات» لا تفتأ تدور، فكأن هذه الأجسام المادية ليست في حقيقتها سوى ميادين نشاط دائم سريع، ويقول العلم أيضا: إنه ليس في هذا الكون المهول كله حالة سكون مطلق، وإن ما يبدو أنه سكون إنما هو وهم وخيال. أو كما يقول أينشتين: إن السكون إنما هو «مظهر» سكون.
فهناك في كل شيء عناصر دوارة أبدا وعناصر دائمة الاختلاج، حتى الوعي الإنساني نفسه لا يزال في حركة مستمرة من الإحساسات والخوالج والخواطر. وليس لخاطر أو خالجة من الحياة والوجود إلا برهة قصيرة، والخوالج تتلاحق وتتوالى بكثرة لا يأخذها عد، وهي تولد وتموت، كما يولد الناس ويموتون، سوى أن آجالها هنيهات لا تعرف لها - لضآلتها - قياسا زمنيا.
অজানা পৃষ্ঠা