إنه منذ سنين يجاهد جهاده للفن والأدب، وينشئ كل يوم في تاريخ الآداب فصلا جديدا. وها هو ذا اليوم حيث بدأ منذ سنين، لا يذكره أحد ولا يعترف له إنسان، ولم يجد عليه جهاد السنين شيئا ...
ولكنه مع ذلك مسئول أن يعمل، وأن يدأب، لا يني ولا يستريح؛ لأنه يريد أن يعيش!
وغام وجهه بعد صفاء، وذبلت الابتسامة على شفتيه، وتخاذلت كبرياؤه، وعاد إلى نفسه يفكر فيما عليه من فرائض الحياة.
لقد أوشك الصبح أن يسفر، وإن عليه موعدا أن يغدو مبكرا على الأديب الكبير «فلان ...» ليدفع إليه الخطبة التي أعدها وبذل فيها سواد ليله وعصارة قلبه، ويقبض ثمنها، ذلك شأنه معه منذ سنوات.
وطوى الفتى أوراقه كأنما يلف ميتا في أكفانه، ثم أطفأ المصباح وأوى إلى فراشه.
واستيقظ بعد ساعات، فلبس بذلته ونفض الغبار عن طربوشه، ثم سك باب غرفته ومضى يهبط السلالم درجة درجة، وفي يمناه الخطبة التي أعدها ليلقيها الأديب الكبير ... في حفلة تكريمه! يا للسخرية!
وسار على حيد الطريق، ويسراه في جيبه تعبث بما فيه من قروش، وفي رأسه خواطر تصطرع وتموج ...
أرأيت إلى الأب يمشي وحيدا في جنازة ولده العزيز ليشيعه إلى مثواه! كذلك كان يمشي هذا الفتى وفي يمناه أوراقه مطوية في غلافها.
وعاج إلى بائع الصحف فاشترى واحدة، فأخذ يقلب صفحاتها حتى انتهى إلى الموضوع الذي يبحث عنه، فمضى يقرؤه ... ... لم يكن موضوعا جديدا عليه، لقد قرأه من قبل مرات، وإنه ليعرف دلالة كل حرف فيه. أتراه يقرأ الساعة من الصحيفة التي في يده أم يقرأ من غيب صدره ... وانقبضت نفسه حين انتهى إلى الإمضاء، ثم ابتسم ... ... ماذا عليه أن يبيع المجد لطلابه بالمال؟ إنه يعطيهم مما يملك لينتفع منهم بما لا يملك. وماذا يجدي عليه المجد والشهرة وذيوع الصيت وإنه لمحتاج إلى الرغيف؟
ليت شعري، أي الرجلين أكثر جدوى على صاحبه: ذلك الذي يعطي القرش، أم هذا الذي يأخذه؟
অজানা পৃষ্ঠা