وارتسمت في خيالها صورة كاملة للرجل الذي جاءتها رسالته ولم تره قط، ورسمت لنفسها صورة أخرى من خيالها يوم تراه فتعاتبه ثم تصفح عنه!
وبقي يومان على مطلع الهلال ...
وكانت واقفة في الشرفة تستروح روح الربيع، حين سمعت رنين الجرس ... وكن ثلاثا من صديقاتها ، وجلسن وجلست معهن في غرفة الاستقبال. ومضى الحديث يتنقل من فن إلى فن إلى فنون.
وقالت واحدة لجارتها: «متى زفاف أخيك؟»
قالت: «لقد أذكرتني أمرا ... فإن رسالة جاءتني منه منذ قريب يشكو إلي خطيبته، فقد كتب إليها كتابا غداة سفره فلم تجبه حتى اليوم، وذهبت أزورها أمس، فإذا هي غضبانة كذلك، تشكو إلي أنه لم يكتب لها منذ سفره! أفرأيت ...؟»
وضحكت، وضحك صواحبها، واعتدلت خديجة في مجلسها وقد رفت على شفتيها ابتسامة راضية؛ إنها وصاحبها لأسعد حالا، فليس بينهما مغاضبة ولا عتاب، أم تراه يغضب لأنها لم تجبه على رسالته؟ ولكنها لا تعرف أين تكتب إليه، بل إنها لا تعرف تمام اسمه! فماذا عليها إن لم تجبه؟
وهجس في نفسها هاجس حين بلغت من الحديث إلى نفسها هذا المبلغ ... إنها لا تعرف مكانه، ولا اسمه، حتى ولا صورته ...
وعادت تسأل نفسها: أصحيح أنها وصاحبها أسعد حالا؟
كانت خديجة منصرفة عن صواحبها تتحدث إلى نفسها هذا الحديث، وإن الحديث بين صواحبها لم يزل يدور في شأن العروسين المتغاضبين، وقالت واحدة: «وتحسبين أخاك صادقا حين يزعم أنه كتب إليها، أم ترينه بما يزعمه يحاول أن يعتذر ...؟»
قالت: «بل أراه صادقا، وما أراها كاذبة حين تزعم أنها لم تتسلم رسالة منه، فما أكثر ما يغلط بعض سعاة البريد أو يتعمدون الغلط ... حين يفوح من بعض الرسائل عطر الحب أو عطر المال ...!»
অজানা পৃষ্ঠা