وعلت ضحكات الجماعة، وسكت رفيق، ومضى أصحابه يتجاذبون الحديث ... ... ودنا الموعد الذي حدده رفيق ليلقى عروسه فيقدم لها هدية الخطبة، وكأنما أحب أن يهيئ نفسه لهذا الحدث الجديد، فانقطع أياما عن موعد أصحابه، ومضى يزور في نفسه الكلام الذي يلقى به خطيبته يوم يلقاها. أتراه كان يخشى أن يخونه بإزائها بيانه وخلابته وما عجز قبلها في مجلس فتاة قط؟ ترى ماذا يقول الناس في هذا المقام؟ وتواردت على خاطره كلمات كثيرة طالما جرى بمثلها لسانه في مجالس الفتيات فكان لها في نفوسهن فعل السحر، ولكن هذه الكلمات جميعها - على لياقتها في هذا المقام وصدقها في التعبير عن حقيقة موضعها - لم ترق له، كأنما كان ينزه لسانه في خطابها أن يلقاها بكلمة لم ينطقها قط إلا كاذبا ولم يلق بها قط فتاة تستحق الاحترام!
وأعجزه القول حين الحاجة إليه؛ إذ كان كل جديد في لغة الحب الصادق قد حال في لسانه عن معناه الحقيقي إلى معنى وضيع من معاني الخداع والغش والتغرير، فما ثمة إلا كلام بال قد أخلقه التكرار، أو كلام ساقط قد نسخه الكذب وأحاله عن معناه ...
وضحك رفيق حين أحس من نفسه العجز عما يريد، وخطر بباله حديث الناس عن عجز المحبين عن التعبير حين يتراءى العاشقان وجها لوجه وتتناجى العيون، فسأل نفسه: أتراني عشقتها ...؟
ثم جاء الميعاد ...
وسبق البشير يؤذن بمقدمه، وجلست فتاة تنتظر وفي رأسها أخيلة تتراءى وفي قلبها أمل ...
وقال رفيق لنفسه والسيارة تقله إلى هناك: ينبغي أن تكون هي أول من أحب، أليس كذلك ...؟ بلى، ومن ذا يستحق الحب غير الفتاة التي أهم أن تشركني في عمري؟
وقالت الفتاة لنفسها وهي جالسة مجلسها تنتظر: نعم، ولمن تهب الفتاة قلبها غير الشاب الذي تشركه في عمره؟
ودق الجرس، ودخل رفيق تسبقه البشرى. وعلى الكرسي المذهب في صدر غرفة الاستقبال جلس ينتظر، وكان إلى جانبه كرسي خال، ثم انفتح الباب ودخلت ... وكان واقفا يتهيأ لاستقبال عروسه ...
وتراءيا وجها لوجه، وعرفها وعرفته ...
وهم الفتى أن يقول: «أنت أول من ...» ثم سكت!
অজানা পৃষ্ঠা