وحضرتني في تلك اللحظة صورة فؤاد الطفل الضاحك يلقاني كل يوم بالتحية في غدوي ورواحي على روضة الأطفال، ثم صورة فؤاد الصبي العابث يمزح مع أبيه في مجلس أصحابه، وينضح وجهه بالماء يوهمه أنه عطر، ثم صورة فؤاد الفتى الخليع يمشي في الشوارع يتثنى ويتخايل بزينته وعيناه إلى كل غادية ورائحة، لا يعنيه شيء من الأمر إلا ثيابه وزينته وشعره المرسل المصقول بالدهان والعطور كما تصقله الفتاة الناعمة، ثم صورة فؤاد الصريع مسجى في أكفانه يلعنه مشيع جنازته!
وسكت صديقي وسكت، ولكن روح سيدنا الشيخ عبد الجليل ظلت تتحدث حديثها في نفسي ...
ولأول مرة منذ بضع وثلاثين سنة، شعرت بأن سيدنا كان هبة الله لهذه القرية التي أخلص لها الحب ووقف عليها جهده حتى قبضه الله إليه، فهتفت في تأثر: سيدنا ... رحمه الله وغفر له!
قلب أم ...
صباح ومساء، ويقظة ونوم، وأمنية بالنهار تتراءى حلما بالليل، وعجلة الزمن تدور فتطوي العمر وتختزل الحياة ...
هذه هي الدنيا ...
يا ويلتا! ... وفي الناس من يعيش في دنياه كما يدور الثور في الطاحون: يدور ويدور ولا يزال يدور لا يدري أين ينتهي، ويمضي على وجهه في طريق طويل لا يقف عند حد ولا ينتهي إلى غاية، وحوله أربعة جدران!
وهل الحياة إلا يوم مكرر؟
ما أمس؟ وما اليوم؟ وما غد ...؟ إن هي إلا رسوم متشابهة تتعاقب على مرآة مثبتة في جدار قائم. الصورة واحدة ولكنها تلوح وتختفي، وتزعم المرآة أنها ثلاثة شخوص أطافت بذاك المكان!
ولولا خداع النفس وأباطيل المنى ما طابت الحياة! ••• ... واستيقظت «الأم» ذات صباح كما تستيقظ كل صباح، فأبدلت ثوبا بثوب، وجثت في محرابها تصلي لله وتدعو ...
অজানা পৃষ্ঠা