فإذا بكى هذا الصغير وبكى أترابه شوقًا إلى المدرسة، وإذا تزاحم الآباء عليها، فلا عجب. ولا عجب إذا كنا نبكي نحن خوفًا من المدرسة، وإذا كنت -وأنا معلم في القرى- أنفّذ قانون التعليم الإجباري لإجبار الآباء على إرسال أبنائهم إليها.
ولكن عندي كلمة لكم يا أولاد، أرجو أن تسمعوها وتفهموها، وإذا لم تستطيعوا فهمها فلتتلطف الأم أو فليتكرم الأب بترجمتها لكم:
إنكم تنعمون بخيرات كنا نحن محرومين منها، وتستمتعون بمُتَع ما كنا نسمع بها، وما هذا الذي عددت لكم إلاّ الأقل الأقل منها، ولكنا -على ذلك كله- كنا خيرًا منكم.
كان آباؤنا يضربوننا، على حين نجد الآباء اليوم يدللون أولادهم ويلينون لهم. وكنا نرى طاعة والدينا واحترامَ معلمينا فرضًا علينا، فما كان منا من يجرؤ على مخالفة أمر أبيه، ولا كان في الآباء من يرضى لنفسه أن يخالف ابنُه أمرَه، وكان للأب سطوة وسلطان، لا حكم في الدار إلاّ حكمه، ولا كلام في الأسرة مع كلامه، وكنا نقبّل يده في الذهاب والإياب والقَوْمَة والقَعْدَة، ونجلس في مجلسه خاشعين ساكتين لا نتكلم حتى يأذن لنا، وكان الواحد منا يبلغ مبلغ الرجال ثم لا يتأخر في العودة إلى الدار عن المغرب، ولا ينكر على أبيه أن يشتمه علانية أو يضربه في الملأ، وكنا نبرّ أمهاتنا ونعلم أن حقهن من حق الله وأن برّهن من برّه. أما الأستاذ فما كان منا من يفكر في إزعاجه أو التهاون بأمره.
1 / 52