আকিদা থেকে বিপ্লবে (৪): নবুয়ত – পুনরুত্থান
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
জনগুলি
35
فالإجماع يرتبط بتفسير جماعة في زمان ومكان معينين. ولما كان نصه أقل عمومية وأكثر خصوصية من نصوص الكتاب، فهو غير ملزم إلا للعصر الذي انعقد فيه دون العصور التالية، وإلا كان ملزما لكل العصور، وكان ذلك عائقا عن التقدم، ومانعا من الإبداع وأقرب إلى التقليد. إن الإجماع خاضع لمصلحة العصر، ولما كانت المصالح متمايزة، ما يكون مصلحة لجماعة قد يكون مضرة لأخرى في عصر آخر، أو لنفس الجماعة في نفس العصر، كان ملزما فقط لعصره. فإلزامه كل عصر يجعله قوة على الإبداع، ودافعا على التقدم، ويقلل التبعية للقدماء، ويخفف من ثقل الماضي، كما أنه يصعب أحيانا التفرقة بين الإجماع والتقليد. فالإجماع إن لم يكن قائما على يقين؛ أي إنه إذا لم تتوافر شروطه ، وغالبا ما لا يحدث ذلك، فإنه يكون تقليدا خفيا. ومن شروطه ضرورة اعتماده على أصل نقلي متواتر، وأن يكون تاما، وألا يعارض إجماعا سابقا؛ فالمصالح تتغير ولكن لا تنقلب، إلى آخر ما هو معروف في علم أصول الفقه من شروط المجتمعين في العلم والفضل، بل هناك صعوبة في الاتفاق على شروط ثابتة للإجماع الصحيح. فما زال الأساس النظري للإجماع خاضعا للرأي والظن والهوى والمصلحة، مثل: هل هو إجماع خاص أم عام؟ هل هو أهل الحل والعقد أم عامة المسلمين؟ كم عدد المجتمعين؟ هل هناك حد أدنى للإجماع؟ هل هو إجماع مطلق أم إجماع بالأغلبية؟ وما هي حدود الأغلبية؟ ما هو هدف المعارضة؟ ماذا لو كانت معارضة واحد فقط؛ هل يبطل الإجماع؟ وفي علم أصول الفقه ما يجعل الأسس النظرية للإجماع أسسا خلافية؛ وبالتالي كيف يكون أساسا للاستدلال ودليلا للعقل الجمعي؟ وتخضع نصوص الإجماع لما تخضع له نصوص الوحي من تفسير وتأويل، وكل تأويل هو اختيار اجتماعي، أو هو إسقاط نفسي من المفسر الذي هو في الحقيقة نتاج اجتماعي؛ وبالتالي يتحول الخلاف في الإجماع إلى خلاف حول تأويل النصوص، ونعود إلى الحجة النصية من جديد، ويزداد الأمر صعوبة إذا ما ظهر الإجماع كحل لمشكلة التعارض بين النصوص في الكتاب أو السنة أو بينهما معا؛ فتعارض نصوص الكتاب ظاهري وله حله؛ إما في النسخ أو في التأويل، في حين أن التعارض بين نصوص الإجماع حقيقي؛ إما لخطأ في النقل، أو لتغاير المصالح من عصر إلى عصر، ومن جماعة إلى جماعة في نفس العصر. وقد يكون هناك إجماع على الشيء وضده في آن واحد في عصرين مختلفين، أو عند جماعتين مختلفتين في عصر واحد. إن نص الإجماع في نهاية الأمر هو حجة سلطة، وليس حجة عقل، وإن كانت حجة السلطة تقبل في نصوص الوحي؛ لأنه غير معرض للخطأ في الفكر أو في الرواية، إلا أنه لا يمكن قبولها في نص الإجماع المعرض للخطأ في الحكم، والمرتبط بمصلحة عصر معين وجماعة معينة، والمعرض لخطأ في الرواية. وإذا كان الإجماع هو إجماع أهل الحل والعقد أو إجماع العامة، فغالبا ما يكون الحكم تعبيرا عن الوضع الطبقي للمجتمعين؛ فاختيار العلماء غير اختيار العامة. صحيح أنه نظرا وشرعا لا فرق بين الاختيارين إذا كان الطرفان يتمثلان الحق، ولكن ما يحدث عملا هو أن أحكام الإجماع إنما تعكس الأوضاع الطبقية للمجتمعين وصلتهم بالسلطة السياسية، أكثر مما تعكس حقيقة أو تصنع يقينا. وهناك فرق بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن ما دمنا مع بشر؛ أي مع أهواء ومصالح. وفوق ذلك كله يجوز الإجماع في اللغة وفي التشريع، ولكنه يصعب في النظريات؛ أي في الاعتقاديات؛ لأن أساس النظر بات يقيني ثابت، في حين أن العمليات تراعي الظروف والمصالح؛ فلا يجوز الاستدلال بالإجماع في موضوعات علم أصول الدين وإن جاز في موضوعات علم أصول الفقه.
36
ولا يوجد خلاف أكثر اتساعا من الخلاف حول الدليل الرابع وهو القياس. ويعتمد إنكار القياس على سببين رئيسيين: الأول إثبات العلم السمعي الضروري وكفايته دونما حاجة إلى علم عقلي مساعد أو مكمل أو مؤسس، والثاني مخاطر العقل والقياس واحتمالات الخطأ فيه. والحقيقة أن الدفاع عن العلم السمعي لا يكون بهدم العقل؛ لأن العقل أساس النقل، بل إن الأدلة الثلاثة الأولى التي هي أقرب إلى السمع، الكتاب والسنة والإجماع، لا تقوم إلا على الدليل الرابع وهو العقل؛ فالعقل أساس النقل، والإجماع عقل جماعي، ولا يفهم الكتاب والسنة بل لا ينقلان إلا بالعقل؛ فالاتفاق مع العقل شرط التواتر. وماذا عن الجهد الفردي في الفهم؟ وماذا عن دور الإنسان في الفهم والنظر؟ ليس العقل هادما للنقل، بل مؤسس له ومؤول له؛ حتى يكون للنقل دعامة يقوم عليها، وحتى يكون له أثر يحدث فيه.
37
أما مخاطر العقل فهي متوهمة لا أساس لها؛ إذ كيف يؤدي العقل إلى الاستبداد بالرأي، العقل هو التنوير، والتنوير ضد الاستبداد بالرأي. القطيعة مضادة للعقل؛ لأن العقل يقوم على البرهان. القطيعة جزم ترفض البراهين المضادة، والعقل حوار يخضع للبراهين المضادة.
38
وحتى على افتراض الجزم في الرأي والقطع فيه، فإن ذلك لا يبرر الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد دون رأي تقليد، كما وضح ذلك في نظرية العلم في المقدمات النظرية الأولى. والرأي ليس اعتقادا أو تقليدا أعمى، بل هو برهان يقيني، والعقل هو التوسط لا التطرف؛ إذ يستطيع العقل إحكام الأطراف ومعرفة البناء والرؤية المحايدة والتجرد والنزاهة، في حين أن الهوى أحادي الطرف، متميز منحاز.
39
ولا يعني احتمال الخطأ في القياس عدم شرعيته؛ فكل اجتهاد قد يخطئ وقد يصيب، والمجتهد يخطئ ويصيب، وللمخطئ أجر وللمصيب أجران. وقواعد القياس وأشكاله قادرة على أن تضمن صحة القياس، كما أن تعدد الأقيسة لا يعني التشتت والتضارب والاختلاف؛ وبالتالي تكافؤ الأدلة؛ فالأقيسة عامة وشاملة يتفق عليها كل الناس، وتعدد المذاهب والآراء لا يطعن في صحة الرأي، بل يبين تغاير المصالح من جماعة إلى جماعة، ومن فرد إلى فرد، ومن مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان. وفي علم أصول الفقه، الحق متعدد والصواب كثير ما دام يؤدي إلى تحقيق مصالح العباد. والخلاف النظري لا ينفي وحدة العمل، ووحدة العمل لا تتطلب وحدة النظر بالضرورة.
অজানা পৃষ্ঠা