আকিদা থেকে বিপ্লবে (৪): নবুয়ত – পুনরুত্থান
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
জনগুলি
1
وقد تعرض القدماء للفرق والديانات التي عرفها العرب والمسلمون؛ فاليهودية والمسيحية فرق عربية، ولا شأن لها باليهودية والمسيحية كما عرفها الغرب بعد ذلك، ثم نقلنا نحن معرفتها بهم منه، اللهم إلا إذا كان هناك استمرار بين الفرق العربية القديمة والفرق الغربية الحديثة. الفرق اليهودية والمسيحية هي الفرق داخل الحضارة وليس خارجها، وكذلك البراهمة والصابئة والمجوس هي الفرق التي عرفتها الحضارة وانتشرت داخلها بعد أن تحول أصحابها إلى الدين الجديد، أو بقى البعض منهم على دياناتهم القديمة، أو عرفها المسلمون فقط تاريخيا إثر الترجمة ومعرفة ديانات الأمم السابقة ومللها، سواء كانت بلادها مفتوحة أو لم تفتح بعد، واقتصر الأمر على نقل تراثهم. وأخذ القدماء معارفهم عن الديانات القديمة من مصادرها الأولى؛ أي من الكتب المقدسة لكل دين وملة، وليس من كتب تاريخ الفرق القديمة، أو رواية وسماعا دون التحقق من المصادر؛ وبالتالي فإن معرفتهم بها موثقة، وليست كمعرفتنا نحن بآراء الخصوم وفرق المعارضة، التي لا نعلمها في الغالب إلا من كتب تاريخ الفرق التي كتبتها الفرق الناجية. ويثبت القدماء نبوة كل الأنبياء وكل مراحل الوحي السابقة؛ دفاعا عن اكتمال الوحي وشموله ضد منكري إحدى مراحله نيابة عن باقي الفرق، فكأنهم يقومون بعملهم وبعمل غيرهم، وكأن آخر مرحلة هي الأمينة على شمول الوحي واكتمال النبوة، وهي القادرة على تبني الوحي في تمامه وكماله حرصا عليه، وليس دفاعا عن قوم أو ملة أو عنصر أو جنس، وتنكرا للأقوام والملل والشعوب الأخرى؛ فكل ملة تقطع مراحل الوحي وتوقفه عندها، وآخر مرحلة تعترف بالمراحل جميعا، ولا توقف الوحي إلا عند اكتمال النبوة وتحقق غاية الوحي في التاريخ، وقد قام بذلك البعض دون البعض، سواء في نشأة الحضارة أم في ذروتها، في المشرق أو في المغرب؛ فقد بدأت الأمم المغلوبة بعد الفتح التوجه إلى الدين الجديد من الخلف، بعد أن عجزت عن مواجهته من الأمام بنشر دياناتها السابقة وعقائدها القديمة في حضارة تقوم على التسامح الديني والحوار الفكري وتعدد الأديان.
2 (1) هل يستحيل النسخ بين المراحل؟
إذا كان من الممكن تناول موضوع النبوة إمكانا ووقوعا على نحو نظري خالص، فإنه يصعب فعل ذلك حين الحديث عن تطور النبوة؛ فما دام الأمر مع التاريخ فلا بد من أسماء أنبياء وأسماء فرق ومذاهب، ويتحول علم أصول الدين بالضرورة من علم للعقائد إلى علم للفرق. وتطور النبوة إنما يعني بتعبير اصطلاحي «النسخ»؛ فالتطور يعني المراحل، والنسخ هو أحد أشكال العلاقات بين هذه المراحل. ولما كانت النبوة متطورة، وكان الوحي قد وقع على مراحل عدة، كان من الضروري أولا إثبات النسخ ضد منكريه وهم اليهود، وتنكر اليهود النسخ لأنها تتضرر منه مرتين؛ مرة بنسخ المسيحية لليهودية، ومرة بنسخ الإسلام للمسيحية؛ ومن ثم كانت المحاولات لإثبات النسخ (بالإضافة إلى التحريف الذي تشارك فيه المسيحية) موجهة أساسا ضد اليهود مع تعديد فرقهم المختلفة، وهم قسمان؛ القسم الأول أبطل النسخ ابتداء كاستحالة عقلية ولم يجعله ممكنا؛ إذ يستحيل أن يأمر الله بشيء وينهى عنه، فينقلب الحق باطلا والباطل حقا، وتتحول الطاعة إلى معصية والمعصية إلى طاعة، ويوقع الله في الجهل والندم، ويحدث تغيرا في العلم الإلهي، وتقلبا في الإرادة الإلهية، وهو سؤال البداء: هل يجوز البداء على الله؟ ولكن نظرا لاختلاف الفرق اليهودية فيما بينها حول النسخ فيما يتعلق بأي النبوات تنسخ، فلم تفصل في هذه الحجة الأولى، حجة البداء، ولكن فصلت فيها الفرق الإسلامية المنكرة للنسخ طبقا لهذه الحجة النظرية المبدئية.
3
والقسم الثاني أجاز النسخ، ولكنه أنكر وقوعه في نبوته وإن وقع في نبوات الآخرين، واعتمادا على حجة نقلية من موسى يحرم فيها وقوع النسخ في التوراة. الفرق اليهودية كلها تثبت النسخ، ولكنها تختلف في المنسوخ ومداه ووجهته.
إن جواز النسخ عقلا وعدم وقوعه نقلا يجعل العقل معارضا للنقل، كما يجعل الجواز العقلي فارغا بلا مضمون ما دام لا يقع، في حين أن الجواز العقلي والإمكان الواقعي شيء واحد، والاعتماد في ذلك على النقل يضعف من الجواز العقلي، فالمعارض العقلي أقوى من النقل؛ وبالتالي إن نقل عن موسى قوله إن شريعته آخر الشرائع فإنه يكون معارضا بالعقل؛ لأن نبوة موسى إحدى مراحل الوحي، وهناك فرق بين وقوعه سمعا وعدم وقوعه نقلا؛ فقد يقع سمعا ولا ينقل، وعدم نقله لا ينفي عدم وقوعه، فإن وقع ونقل؛ أي فإن قاله بالفعل فقد يعني ذلك مجازا بأن شريعته شريعة عظيمة، وأنه ليس في الشرائع أعظم من التوراة. والتوراة بالفعل لا تنسخ؛ لأنها تحتوي على مجموع القيم الإنسانية العامة، وأعيد تثبيتها في شريعة عيسى كليا وفي شريعة الإسلام جزئيا. ويمثل هذا القول خطورة أعظم إذا ما تم الانتقال من نسخ الشرائع إلى نسخ النبوات، ومن عظمة التوراة وشريعتها التي لا تنسخ إلى إنكار النبوات التالية لموسى، مثل نبوة عيسى ونبوة الإسلام. ويبدو أن الهدف من إنكار النسخ ليس التمسك بشريعة التوراة اعتمادا على قول موسى، بل إنكار لنبوتي عيسى والإسلام؛ لأن من اليهود من يقر بنبوات تسعة عشر نبيا بعد موسى. وقد يكون الدافع الأول والأخير هو إنكار نبوة الإسلام، وليس نبوة عيسى الذي يثبت شريعة التوراة ويعمل بها، ولكن فقط يجددها من الداخل ويعيد إليها روحها وتقواها الباطنية، فلو جازت نبوة الإسلام لجاز نسخ الشرائع قبله؛ وبالتالي تبطل شريعة التوراة مع أن نبوة الإسلام تثبتها. والنسخ في الحقيقة ليس رفعا، بل تبديل حكم بحكم آخر مثله أو خير منه، وكل نظرة تراثية تأخذ بأقوال الأحبار فإنها ترفض النسخ، فالنسخ تجديد في حين أن أقوال الأحبار تقليد.
4
وقد ينكر نسخ الشرائع عقلا وسمعا؛ فنسخ الشرائع محال عقلا وجاء السمع بتأكيد حكم العقل. وهو موقف أكثر اتساقا من جواز النسخ عقلا وامتناع نقله سمعا. وتقوم الاستحالة العقلية على بعض المقولات الإسلامية التي كانت سائدة بالأندلس، سواء عند بعض الفرق الإسلامية، مثل البداء وتجويز الجهل على الله، أو في علم أصول الفقه باستحالة نسخ الأشياء قبل امتثاله وقت فعله، فالشريعة اليهودية كانت متمثلة منذ موسى، وكان وقت فعلها قد حان، ومثل نسخ الأخف بالأثقل على سبيل العقوبة للمكلف، وشريعة عيسى وشريعة الإسلام ليست بأثقل من شريعة التوراة إن لم تكن أخف. ويظهر الأثر الإسلامي على هذه الفرقة اليهودية في أخذها التوراة وحدها وما في كتب الأنبياء، وتكذيب أقوال الأحبار. أما النقل عن موسى فسنده ضعيف، وإن صح فمعناه مشروط بعدم خلو نبي آخر، فإن بطل استحالة النسخ عقلا وشرعا صح جوازه.
5
অজানা পৃষ্ঠা