আকিদা থেকে বিপ্লবে (৪): নবুয়ত – পুনরুত্থান
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
জনগুলি
6
إن العقل قادر على صياغة منطق للبرهان يقوم على أوليات العقل وبداهات الحس وشهادة الوجدان، كما أنه قادر على وضع نظرية في الصدق يمكن بها التحقق من صحة نتائجه وصدق براهينه، في حين يظل البرهان على صدق النبوة خارجيا محضا إذا كان هو المعجزة، أو ذاتيا خالصا إذا كان مجرد الإيمان. يبدو أن الوحي ما زال معروضا حتى في الحركات الإصلاحية الحديثة على أنه نظرية في النبوة؛ أي الوحي الرأسي مصدر المعارف النظرية، في حين أن الوحي ليس فقط نظرية في النبوة، بل نظرية في التاريخ؛ أي الوحي الأفقي مصدر التشريع العملي والأساس النظري للعمل الفردي والجماعي؛ لذلك سرعان ما تحولت نظرية النبوة كوعي رأسي في الحركة الإصلاحية الحديثة إلى نظرية إشراقية صوفية، وانتقلت من الفلسفة إلى التصوف، وتحول النبي من منظر وقائد إلى صوفي وولي. إن تفاوت العقول في الإدراك لا يعني أي نقص في العقل، بل يعني خطأ في استعماله، ويمكن بمنطق البرهان وبنظرية الصدق وبالمراجعة والاستدلال المشترك تجاوز اختلاف العقول والوصول إلى الاتفاق بينها، واتفاق العقلاء أولى من اختلافهم، وبداهات العقول وأولياتها واحدة، عامة وشاملة، لا اختلاف عليها بين العقلاء، والنبوة لا أسرار فيها ولا غموض، بل أفكار واضحة ومتميزة يمكن إدراكها بالعقل السليم والتحقق من صدقها بالبرهان.
7
هل تجب النبوة لحاجة الإنسان إلى التجريب، وكأن الإنسان قاصر على استخدام الحواس والاعتماد على المحسوسات والمشاهدات والمجربات وهي جزء من المعلومات طبقا لنظرية العلم في المقدمات النظرية الأولى؟ التجريب موضوع العلم التجريبي ومادته الأولى، وقد برع القدماء في العلوم التجريبية في الطبيعة والكيمياء والأدوية والطب، ولم يكتفوا بالطب النبوي، وأسسوا المبادئ العامة للطب التجريبي، ونقدوا المنطق الصوري، ووضعوا قواعد المنهج التجريبي. العلم التجريبي علم إنساني يهدف كالعلم العقلي إلى الكشف عن قوانين الطبيعة من أجل السيطرة عليها وتسخيرها لصالح الإنسان، وما فائدته إن كانت النبوة تغني عنه؟ والمعروف تاريخيا أن العلوم النبوية كانت أقرب إلى العلوم الإشراقية الصوفية منها إلى العلوم العقلية التجريبية، لا تحتوي النبوة على أسس علم الفلك وإن كانت توجه الشعور نحو الطبيعة والتأمل في الكون والنظر إلى الأهلة لمعرفة المواقيت، حتى يأتي العقل والتجريب ليضع قواعد علم الفلك وأصوله. إن الصناعات والعلوم التجريبية من اكتشاف الإنسان واختراعه؛ لذلك كانت الطبيعيات سابقة على الإلهيات في علوم الحكمة، كما كان المنطق سابقا على الطبيعيات؛ فالعقل والتجريب سابقان على النبوة، بل والطريق إليها، كما أن العقل والطبيعة سابقان على النظر إلى الله والطريق إليه، كما بان من قبل في نظرية الوجود في المقدمات النظرية الأولى أن المحدث هو الطريق إلى القديم وأن الصنع دليل على وجود الصانع.
8
هل تجب النبوة لحاجات عملية؛ أي للتنفيذ والتحقيق وأداء الرسالة، ما دام الإنسان غير قادر على سن القوانين وتأسيس الشرائع وإقامة الدول أو تجنيد الجماهير وتوجيه الأمم وفتح البلدان؟
9
ألا يمكن للعقل قيادة المجتمعات مثل قيادة الإمام لها؟ هناك أيضا العقل الاجتماعي والعقل السياسي والعقل التاريخي لوضع القوانين وسن الشرائع. صحيح أن النبوة تحتوي على تشريع، ولكنها توجيهات عامة في حاجة إلى تفصيلات واستنتاجات من العقل والواقع، من واقع المجتمع واستقراء حوادث التاريخ. صحيح أن النبوة تحتوي على بعض التوجيهات الخلقية والإرشادات العملية، ولكن لا تكفي الدعوة إلى المحبة والتعاون أن تكون أساسا لتكوين المجتمع الإنساني، وهل النبوة في نهاية الأمر نظرية في التأليف الاجتماعي أم في الصراع الاجتماعي؟ هل وظيفة النبوة حل الصراع الاجتماعي أم حسمه؟ إيقافه أم حله؟ إن المجتمع في حاجة لفهم تركيبه وقوانين حركته وصراعه إلى أكثر من المحبة والعدل والمبادئ العامة والقيم النظرية. صحيح أن الحاجة إلى التعاون وتأسيس المجتمعات وإقامة الدول تكشف عن الأساس الاجتماعي للوحي وعن البعد الأفقي له، كما تكشف المعارف النظرية عن البعد الرأسي فيه، ولكن لا يعني ذلك أن الإنسان قاصر عن إدراك الحقائق الاجتماعية وعاجز عن توجيه الأمور العملية، وتأسيس الدول، وتدبير الملك. إن علوم السياسة والاجتماع والقانون والتاريخ أيضا من وضع الإنسان مثل باقي العلوم العقلية والتجريبية. ولماذا تهدم القوانين الإنسانية وتبين مفاسدها وعيوبها من أجل إثبات وجوب الشرائع النبوية؟ ألا تثبت النبوة إلا على أنقاض البشرية؟ إن تغير القوانين البشرية ليس عيبا بل تطور واجتهاد، كما هو الحال في الفقه، وإن اختلاف الطبائع والشعوب وارد في القوانين البشرية والشرائع الإلهية على حد سواء.
10
وإن هذا التضارب بين القانون البشري والقانون السماوي لهو أساس الثنائية في وجداننا المعاصر، وأحد أسباب مصائب عصرنا في الصراع بين الاتجاه العلماني والحركة السلفية. إن وظيفة الرسل في قيادة الأمم هي نفسها وظيفة القادة والأبطال، ولم تخل البشرية من كليهما معا دون أن يكون أحد الفريقين بديلا عن الآخر أو سببا لإيجاده، بل إن رئاسة الأنبياء تقوم على تصور هرمي للعالم؛ النبي في القمة، والناس في القاعدة، وما بينهما القواد والوزراء والعمال، طبقا لنظرية الفيض وترتيب العقول وترتيب الأجناس والأنواع ومراتب القوى الإنسانية؛ فالنبوة عند القدماء نظام رئاسي هرمي بالضرورة كما هو واضح في «المدينة الفاضلة»، علاقة الرئيس بالمرءوس علاقة القمة بالقاعدة أو المركز بالمحيط، وكأن سلطة النبي سلطة مركزية رئيسية، قاهرة ومسيطرة، وكأن السلطان لا يكون إلا أعلى عليين والناس أسفل سافلين!
অজানা পৃষ্ঠা