আকিদা থেকে বিপ্লবে (৪): নবুয়ত – পুনরুত্থান
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
জনগুলি
1
فكل فعل يؤدي إلى نتيجة، كما أن كل علة تؤدي إلى معلولها. وتكون نتائج الأفعال المقصودة من نوع الأفعال ذاتها، كما تكون المعلولات من جنس عللها. الثواب إذن نتيجة طبيعية للطاعة، والعقاب نتيجة طبيعية للمعصية، كما أن الاحتراق نتيجة طبيعية للنار، والتجمد نتيجة طبيعية للبرودة، لا فرق في ذلك بين قانون العقل وقانون الطبيعة. قانون الاستحقاق إذن قانون عقلي، وهو في نفس الوقت قانون طبيعي، ولا يمكن قلب القانون أو عكسه أو خرقه أو إيقافه أو إبطاله، طالما أن هناك عقلا وطبيعة. ولا يعني ذلك حتمية في السلوك الإنساني؛ فحرية الاختيار وخلق الأفعال أحد مكتسبات العدل وهو من العقليات، ولا يمكن هدم العقليات بالسمعيات، بل تتأسس السمعيات بالعقليات.
2
هدم قانون الاستحقاق إذن هو تدمير للطبيعة وقضاء على السلوك الإنساني وإيقاع الاضطراب والعشوائية فيه، وتأسيس الحياة الإنسانية على عدم الثقة والضياع ونقص التوجيه وغياب التطلع إلى المستقبل. فكيف يعاقب المطيع ويثاب العاصي؟ وكيف يوثق بالعقل وبالقانون إذا ما تم تدميره في المستقبل؟ كيف يوثق بأي شيء؟ كيف يقضى على كل ضمان وينزع كل اطمئنان؟ ليس المهم هو الإثابة أو العقاب، بل أثر ذلك على الحاضر، وضياع ثقة المطيع بطاعته فيعصي، واعتزاز المسيء بإساءته فيستمر فيها. وما دام الحال في النهاية سواء بين المطيع والمسيء، وما دام الأمر سيقلب فينال المثيب عقابه والمسيء ثوابه، ففيم الاستمرار في الطاعة أو ترك العصيان؟ أليس ذلك استخفافا بالعقل وهدما للحكمة الإلهية وقضاء على الشرائع؟ كيف يستطيع الإنسان أن يعيش في عالم لا يحكمه قانون؟ كيف يعيش الإنسان حياته وهو لا يضمن نتائج أعماله؟
3
كيف يترك مصير الإنسان لمطلق المشيئة والإرادة؟ كيف تترك الأفعال أمام احتمال تطبيق قوانين متعارضة ومتناقضة، لو طبق أحدها كان ظلما ولو طبق الآخر كان عدلا؟ صحيح أن الله حر الإرادة، ولكن الإنسان أيضا قد فعل واجتهد ويريد أن يعرف مصيره طبقا لعالم يحكمه قانون ثابت وعدل. وإذا كان ذلك معروفا في الدنيا فيما يتعلق بالديات والكفارات، فالأولى أن يكون معروفا في الآخرة حيث لا خطأ هناك ولا جور. وهل علاقة الله بالإنسان علاقة المالك بالعبد؟ ألا توجد خطورة في أن تتحول هذه العلاقة من المستوى الديني إلى المستوى السياسي والاجتماعي، ويتحول كل مالك أو حاكم إلى إله وكل إنسان إلى عبد مملوك يتصرف فيه المالك أو الحاكم كما يشاء؟ أليس التصور، تصور السيد والعبد، تصورا إقطاعيا خالصا، يفعل السيد مع العبد ما يشاء وليس للعبد أي حق، حتى حق الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية؟ وأين حق الثورة؛ ثورة العبيد على الأسياد أو على الأقل حق حرية العبيد وحق المساواة بين الناس؟ وكيف تكون العلاقة بين القوي والضعيف مجرد إرادة القوي دون حقوق الضعيف؟
4
وكيف يكون الثواب فضلا وليس استحقاقا، في حين يكون العقاب عدلا واستحقاقا ؟ ولماذا يتم التفضل على الإنسان إذا ما أعطي حقه أداء لواجبه، في حين يعطى إليه استحقاقه من العقاب إذا ما تهاون فيه؟ وهل من شيمة الإله التصدق بالثواب وفرض العقاب؟ ولماذا يجوز الابتداء بالثواب دون الاستحقاق، في حين يكون الاستحقاق للعقاب فقط؟ بهذا التصور يكون الله أقرب إلى الانتقام منه إلى العفو، وأكثر رغبة في العقاب منه في الثواب، وكأن الله يتضجر بالطاعة فيعطي الثواب تفضلا، ولكنه يتنعم بالمعصية فيعطي العقاب استحقاقا وتشفيا! لماذا يكون الثواب فضلا والعقاب عدلا؟ هذا تصور سوداوي وقاس لله. فلماذا لا يكون كلاهما عدلا واستحقاقا؟ لماذا يقتر الله في الثواب ويكون كريما في العقاب؟ أو لماذا يكون الثواب طبقا للكرم والجود والإرادة، والعقاب طبقا لقانون الاستحقاق؟ إن الأقرب إلى الألوهية هو العكس؛ أن يكون الثواب عن استحقاق، أما العقاب فيتنازل الله عنه بالعفو. والعجيب أن يعرف الأشاعرة بأنهم أهل الرحمة لا أهل العدل، في حين أنهم أخذوا العدل فيما وجبت فيه الرحمة، وجعلوا الرحمة فيما وجب فيه العدل. ولو أدخلنا الجنة من غير عمل لا نكون مستحقين لها. والذي لا عمل له ولكن له كرامة لا يقبل ثوابا تفضلا على شيء لم يفعله، كما يأخذ الجائزة الأولى في سباق وهو آخر الفائزين! إن الثواب لا يكون تفضلا أو إنعاما أو إحسانا، بل يكون استحقاقا، وإلا أصبح الإنسان عبيد إحسانات الآخرين، ولأصبح الناس عبيد إحسانات الحاكم «وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا»! إن نتائج أفعال الإنسان لا تأتي من أعلى هبة ومنة، بل تأتي من أسفل كسبا واستحقاقا، وإن حقوق الشعوب لا تكون منة وهبة من الحكام، بل تكون استخلاصا لها منهم عنوة وقسرا بعد نضال لأجله يطول لعدة أجيال وفي أعمار لعدة حضارات. هناك ارتباط ضروري بين الطاعة والثواب لا يمكن فصله، وإلا لما كانت هناك طاعة، ولما وجد الثواب طريقا إلى شيء يكون جزاء له. ليس العقاب انتقاما من الله، بل مجرد نتيجة للفعل تحدث في الدنيا، سواء قبل الموت أو بعده، لما كانت الحياة مستمرة. وما الموت إلا نقطة بداية جديدة، وانتقال من فعل الفرد إلى فعل الجماعة من خلال السنة والقدوة، والأثر والفكر. ومع أن العقوبة إيلام إلا أنها زجر في الحاضر ورعاية مصلحة في المستقبل، مع أنها إيلام للجاني إلا أنها تخفيف عن آلام أخرى؛ إرشاد وإصلاح. فالعقاب من أجل العقاب إيلام وتشف وغيظ. إنه ليصعب الخروج على تصور العدل، بأن يعاقب الله بغير ذنب؛ فالواقعة لا تخرج من المبدأ ولا تعتمد عليه. ولما كانت الواقعة لم تحدث بعد يظل المبدأ قائما معلنا عنه في الخطاب. إن الفضل والعدل مبدآن متعارضان؛ الفضل كرم، والعدل استحقاق.
5
وكيف لا يكون العمل علة الاستحقاق؟ وما البديل؟ الكرم والجود؟ النسب والحسب؟ الإيمان الذي لا يتحقق في عمل؟ لا يوجد مقياس آخر للاستحقاق أكثر عدلا من العمل. وإن كل الحجج التي تقال لنفي العمل كمقياس للاستحقاق إنما تصور قدرة الله فوق عدله، وإرادته فوق حكمته؛ فكيف تكون قدرة الله على الترك مقياسا للعظمة والقدرة؟ كيف تغلب الإرادة والقدرة على العدل؟ كيف يقضي التوحيد على العدل، والعدل أحد مكتسباته؟ وإذا كانت الطاعة شكرا على النعم، فإن الشكر فعل يستلزم الثواب. وليس الشكر بالفم وحده، بل يكون بالفعل والطاعة والتمتع بالنعم دون الإضرار بالنفس، ويكون الجحود فعلا يستوجب العقاب؛ فشكر الله على النعم إذن لا ينفي العمل كأساس للاستحقاق بل يؤكده؛ لأنه فعل يستحق الثواب كما أن الجحود فعل يستحق العقاب. ولا يكون شكر الله مكافأة على النعم؛ إذ لا يمكن مكافأة الله؛ فالله لا ينتظر مكافأة من أحد، وهي مكافأة ضئيلة بالنسبة لعظم النعم، كما أن حياة الإنسان ووجوده ليسا هبة من أحد عليه. إن الإنسان لا يعمل من أجل النعم السابقة واستبقاء لها؛ فمهما عمل الإنسان فإنه لن يوفي نعمة الحياة والوعي والعقل والإبداع حقها. وهذان مستويان مختلفان بين المتناهي في الكبر وهو النعم، والمتناهي في الصغر وهو شكر الإنسان. ونعم الحياة ليست معطاة بل موجودة، ليست في مقولة الملكية بل في مقولة الوجود؛ فهي أضخم بكثير من أن يمتلكها إنسان أو يهبها أحد. ويخشى من التصور التجاري المحض: ما دام الإنسان قد استلم البضاعة فعليه دفع الثمن، حتى ولو كان ثمنا بخسا لا يتفق مع عظمة المشتريات. وهل الله في حاجة إلى شكر النعم؟ وهل أفعال الإنسان شكر على النعم أم أداء للرسالة وتحقيق للأمانة؟ إن فعل الإنسان لا يكون فرضا على الله، بل هو احترام الله لفعل الإنسان واكتساب الإنسان لفعله من الله، وهو أحد مكتسبات العدل من التوحيد. الإنسان حبيب الله ومعشوقه، وخليله وصفيه، مخلوقه وكليمه، بدليل إرسال الوحي إليه، وخلق الكون له، وجعله سيدا له، وتكريمه إياه في البر والبحر، وتسخير المخلوقات لأجله.
অজানা পৃষ্ঠা