আকীদা থেকে বিপ্লবে (৩): ন্যায়বিচার
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
জনগুলি
وهي النظرية التي تثبت الحسن والقبح كموضوعات أو أشياء أو وقائع، داخلة في نسيج الكون سواء في الخلق أو في التكوين أو في المصير والتاريخ. وفي هذه الحالة يكون الحسن والقبح العقليان هما الخير والشر الكونيان على ما هو معروف في الديانات الشرقية القديمة، خاصة المانوية، وكما نقل الحكماء أو المتكلمون المتفلسفون. فالخير والشر مطلقان، كائنان ماديان في الوجود. هناك خير مطلق وشر مطلق، وخير وشر ممتزجان. الخير المطلق هو العقل ذاته والشر المطلق فوضى العقل، الصراع بين العلم والجهل، بين الفضيلة والرذيلة. ولما كان العقل الإنساني يتوق إلى الخير المحض ويتصل به، تنتهي النظرية الكونية في الحسن والقبح إلى نظرية إشراقية في المعرفة، كما تنتهي إلى نظرية في الفضائل تعطي الأولوية للفضائل النظرية على الفضائل العملية. وقد يتشخص الخير والشر في الكون في الثقافة الدينية فيصبح الخير المحض ملاكا والشر المحض شيطانا. وفي حال الامتزاج قد يكون الخير أكثر والشر أقل كما هو الحال في الكون، وفي الحال الغالبة. ولا توجد حالات في الكون يكون الشر فيها أكثر والخير أقل، فهذه نظرة تشاؤمية تجعل الشر أساس الخير كما هو الحال في عقيدة الخطيئة الأولى في النصرانية. ولا توجد حالة أخرى في الكون يتساوى فيها الخير والشر. فهذه المانوية وفرق الثنوية . ولا تختلف عن ذلك نظرية العقول العشرة ومراتب الكون عند الحكماء وتقابلها مع درجات المعرفة ومراتب الفضيلة ومراتب السعادة والشقاء في المعاد، ولكنها أدخل في علوم الحكمة، بعد أن انتشرت في علم أصول الدين عند المتأخرين.
1
وقد يتخصص الكون ويصبح عالم الأفلاك وقسمة العالم إلى عالم سفلي تحت أثر الكواكب وعالم علوي، عالم مادي وآخر روحاني مدبر الكواكب، وأن لحركاتها آثارا في العالم من سعد ونحس، وخير وشر، وحسن وقبح في الخلق، يستطيع كل ذي عقل سليم إدراكها. فالبشر متساوون في العقل دون ما حاجة إلى شارع متحكم في العقول.
2
ثم زادت التناسخية على الصابئة درجة أكثر في التخصيص بالتركيز على النوع الإنساني وحده، صاحب الأفعال الاختيارية والنطق والعقل في العلوم، والقدرة على الارتفاع عن الدرجة الحيوانية إلى الدرجة الإنسانية أو إلى الملكية أو إلى النبوة، ويكون الارتفاع والهبوط نتيجة أو جزاء لأفعاله. ليس الحسن والقبح من الشرع ولا من العقل، بل من الصور الحيوانية أو الإنسانية التي تتراءى للإنسان، ولا شيء يحدث من ثواب وعقاب خارج العالم.
والحقيقة أن هذه النظرية إنما ترمز على نحو كوني حسي أسطوري إلى عدة حقائق؛ فالخير والشر بعدان للوجود. وهما في حقيقة الأمر إسقاط لأحكام الأفعال الخمسة في علم أصول الدين على الوجود؛ فالحسن والقبح في الأفعال وليس في الموجودات. وإن موضوعية القيم التي تركز عليها النظرية لا تعني بالضرورة وجودا شيئيا. فالوجود قد يكون شعوريا كمعان مستقلة ومناطق وجود في الشعور. أما تشخيص القيم فإنه يحدث نتيجة الفكر الأسطوري الذي يمتزج فيه العقل بالإشراق، والفلسفة بالتصوف كما هو الحال في الفلسفة الإشراقية. والشيطان تجسيم للشر وصورة فنية له تشير إلى القبح كصفة للفعل أو كوضع اجتماعي. فالشر لا صانع له، بل هو بناء اجتماعي أو فعل في موقف إنساني دون ما حاجة إلى إرجاع ظواهر الوجود إلى علة خارجية.
3
وإن إثبات الوجود الموضوعي للخير حق ولكن الخطأ في إثبات الوجود الموضوعي للشر. ولا يعني ذلك إثبات وجودين، وجود الأشياء ووجود الخير، بل هو وجود واحد لأن الخير طبيعة الأشياء والشر طارئ عليه، والحسن هو الأصل والقبح غياب له أو إحدى درجاته. إن إثبات خير شيئي يتضمن إثبات شر شيئي، في حين أن الشر لا وجود له في العالم أو في الشعور لأن الشر ليس معنى، بل هو غياب معنى، ليس وجودا بل عدم. وإثبات خير وشر شيئين ممتزجين يخرج الحكم القيمي من الأفعال إلى الأشياء، أي أنه يقوم على خلط بين عالم الإنسان وعالم الأشياء، وتشخيص للطبيعة على مستوى القيم أو تشخيص للقيم في الطبيعة، كما أن موضوعية القيم تنفي ذاتيتها الخالصة وكأن الإنسان خارج اللعبة وأن الخير والشر كونيان غير ذاتيين، يظهران في وجود الإنسان كظواهر كونية وليس كأفعال إنسانية نتيجة لحرية الإنسان واختياره وبناء على عقله وقدرته على التمييز، كما أن موضوعية القيم ليست نتيجة لأثر الكواكب العلوية على الكوكب السفلي وهو الأرض. فالأفلاك موضوع لدراسة علم الفلك. وكل ما يقال عن أثرها في الأرض ما هو إلا تشخيص لها. فالأعلى يحكم الأدنى. والحقيقة أنه على الأرض يسود الفعل الحر، ويقرر الإنسان مصيره. ولا مكان فيها للحظ أو النحس. الحظ وقوع نتيجة غير متوقعة يرضى عنها الإنسان لفعل حر، والنحس حدوث نتيجة لفعل حر لا يرضى عنها الإنسان. إن النظرية الكونية سواء عند الفلاسفة أو الصابئة أو التناسخية نظرية غيبية تقوم على الإيمان بالغيبيات، لا يساندها عقل ولا يؤيدها برهان، ولا تنتج عن ممارسة الحرية الإنسانية. كما لا تعني موضوعية القيم حصول أفعال في الإنسان ليس هو صاحبها كما هو الحال في نظرية التناسخ. فإذا كانت القيم تفعل فيه فذلك إسقاط للحرية أو تنكر لها. الحسن والقبح حكمان للأفعال التي يأتي بها الإنسان ممارسا لحريته معتمدا على عقله وتمييزه.
وفي الوقت نفسه لا يعني إثبات صفات موضوعية وقيم مستقلة وجود مثل أفلاطونية يتأملها العقل ويبغيها الروح وينسقها الفكر، بل هي معان مستقلة في الشعور وبواعث على السلوك وأنظمة مثالية للعالم يتحقق فيها نظام الطبيعة الإنساني في كماله. ولما كانت القيم نظريات سلوك وتوجيهات فعل، فهي ليست للتأمل والتعبد لكائنات مشخصة قيمتها ليست في معرفتها، بل في تحقيقها. إن إثبات صفة موضوعية لا تعني انحراف الذات في تأملها، بل تعني تمثل الجماعة لها. والوجود الموضوعي للقيم ليس من أجل تمتع الفرد بها تمتعا فرديا وتلذذا شخصيا، بل من أجل تحقيق الجماعة لها. بل إن هذا التمتع الفردي تطهر وانعزال وتصوف وإشراق. فجماعية القيم امتداد وانتشار وتحقق ثان لفرديتها. إن حركة القيم ليست حركة رأسية من أسفل إلى أعلى، في التعبد والتأمل حتى تحدث حركة مقابلة من أعلى إلى أسفل في الإشراق والرؤية، ولكنها حركة أفقية من الأمام إلى الخلف في التأخر أو من الخلف إلى الأمام في التقدم. (2) النظرية الحسية
وهي النظرية النسبية الذاتية على عكس النظرية السابقة، والتي تجعل الحسن والقبح هما اللذيذ والمؤلم والنافع والضار وهي النظرية النفعية الحسية. فعلى مستوى الحس يكون الحسن هو اللذيذ والقبح هو المؤلم. وعلى مستوى النفع يكون الحسن هو النافع والقبيح هو الضار، وقد يعبر عن ذلك بالمصلحة والمفسدة، فالحسن هو المصلحة والقبح هو المفسدة. وقد يتحدد الحسن والقبح بمدى ملاءمة الغرض ومنافرته. فما اتفق مع الغرض يكون هو الحسن وما نافره يكون هو القبيح.
অজানা পৃষ্ঠা