في سويسرا.
باريس 25 أبريل سنة 1923
6
أصبحنا يوم الأربعاء 11 أبريل فتفرقنا لا في أنحاء بروكسل بل في أنحاء بلجيكا؛ ذلك أن الذين أشرفوا على تنظيم المؤتمر لم يفكروا في جمع المؤرخين من أقطار الأرض وإيجاد الصلة بينهم وتمكينهم من أن يعلم كل منهم ما عند صاحبه من التاريخ، وإنما فكروا مع ذلك في شيئين آخرين، وإن شئت فقل في أشياء أخرى: فكروا في أن البحث العلمي الجاف ثقيل حتى على أنفس العلماء، ولا بد من أن يتخلل بحثهم العلمي شيء يسر ويرضي ويفيد، دون أن تكون الصلة منقطعة بين هذا الشيء وبين البحث العلمي الذي يشتغل به العلماء، وأي شيء ألذ وأنفع وأشد صلة بالتاريخ من زيارة الآثار التاريخية المختلفة التي تنبث في جميع أنحاء بلجيكا بكثرة مدهشة؟ ولا سيما إذا لم تكن هذه الآثار تاريخية فحسب، بل كانت مع ذلك آيات بينات من آيات الفن الجميل على اختلافه.
فكر البلجيكيون في ذلك، وفكروا في شيء آخر، وهو أن بلدهم يخرج من حرب ضروس قد أخضعته لضروب من المحن والحرمان لم يعرفها قبل هذه الأعوام الأخيرة، وهو الآن يجتهد في إصلاح ما أفسدت الحرب، وهو محتاج في هذا الإصلاح إلى عطف الأمم على اختلافها، ومن هنا كان محتاجا إلى نشر الدعوة وبعث عواطف الإعجاب والإجلال والإشفاق. والفرصة سانحة، فالمؤتمر يمثل أكبر أمم الأرض، وأعضاء المؤتمر من خيرة الذين يمثلون الأمم؛ لأنهم علماء وكلهم أستاذ أو مؤلف، وإذن فكلهم قادر على نشر الدعوة ، ماهر فيه، وإذن فلا بد من التأثير في هؤلاء العلماء، وإحياء هذه العواطف المختلفة في نفوسهم، وأي سبيل أهدى إلى ذلك من زيارة الآيات الفنية البينة؟! أضف إلى هذا أن تفرق المؤتمرين في أنحاء بلجيكا لا يخلو من فائدة اقتصادية في بلد ساء القطع فيه واشتد فيه غلاء الحياة. فكثير جدا من المؤتمرين قد وفدوا من بلاد غنية مثرية، فهم يستطيعون أن ينفقوا عن سعة، دون أن يخسروا كثيرا، وبلجيكا في حاجة إلى أن ينفقوا، وليس ينبغي أن يقتصر إنفاقهم على مدينة بروكسل، فهناك مدن بلجيكية أخرى تحتاج إلى هذا الإنفاق. وإذن فيحسن أن يتفرق المؤتمرون في أنحاء بلجيكا لينتفعوا هم، ولتستفيد بلجيكا من الوجهة المادية والمعنوية. لهذا كله خصص الذين نظموا المؤتمر يوم الأربعاء 11 أبريل لسياحات تاريخية أو أثرية أو فنية، وعينوا مدنا مختلفة يختارها من شاء من المؤتمرين، وندبوا في كل مدينة أستاذا أو أساتذة يقودون المؤتمرين ويرشدونهم ويفسرون لهم ما يرون، فذهب بعض المؤتمرين إلى مدينة «بروج»
Bruges
وبعضهم إلى «جان»
Gand
وبعضهم إلى «لييج»
Liege
অজানা পৃষ্ঠা