كان رفاقي الآلهة قد اقتسموا ملك الطبيعة، فإذا هنالك إله الخير وإله الشر والحرب، إله السماء وإله الأرض، إله الجحيم وإله الحكمة، إله الرقص والفنون الجميلة، إله البرق والرعد، وإله النجم، وبقيت أنا لا مملكة لي ولا عمل.
أقضي أيامي متنقلا في ممالك رفاقي وقصورهم وجنائنهم.
أغازل الإلهات وأنعم بجمالهن.
وأحتسي الخمر لاهيا عابثا.
وأرى الناس يعبدون رفاقي ويقربون لهم القرابين استدرارا لخيراتهم أو دفعا لشرهم ...
وأمر فلا يحسني أحد ولا يعبأ بي، وذات يوم بينا كنت أتلقن أصول الحكمة من فم «مينرفا» متنقلين فوق جبال لبنان، هبت من ناحية الصحراء عاصفة واندفعت الرياح تزمجر وتولول ثم عصفت في ردائينا وأخذت تدفع بنا بعنف، وكادت أن ترمي بنا من شاهق لولا أننا تخلينا عن الردائين.
فحملتهما الرياح إلى بعيد ورمت بهما في الوادي السحيق الذي كان ينخفض عند أقدام الجبل الأشم.
ولما هدأت العاصفة كانت فكرة الشراع قد انبعثت في خاطري واكتملت.
ومرت على ذلك عصور طوال وأنا أنظر إلى جهد الإنسان وعنائه، وإلى محاولاته الفاشلة في قطع الهوة العميقة التي تفصل لبنان عن البلدان الغربية النائية، فأشفقت عليه، على ضعفه إلى جانب ما ساورني من إعجاب بعناده وصبره وجلده. وقلت في نفسي: سأبسط هذه الهوة وأسلمه الشراع، وأخذت سوطي ورحت ألهب السحاب فتدفقت قربه، وضربت سفوح الجبال فتفجرت الينابيع وكرت الأنهر وزحفت المياه متساقطة في الوادي العميق.
وأنا أنظر مغتبطا وأزداد همة في حث السحاب واستدرار خزانات الأرض.
অজানা পৃষ্ঠা