المقام الثاني: في أن القول بالمرجح لا يوجب الجبر وبيانه من وجوه:
أحدها: أنه لو أوجب الجبر في فعل العبد لأوجبه في فعل الله.
قال (الإمام يحيى) عليه السلام : فكما أنه يبطل الاختيار في حق العبد فهو بعينه يبطل الاختيار في حق الله تعالى؛ لأن طريق الفاعلية واحدة، وهذه فلسفة محضة، وقول بالموجب وخروج من الدين.
قلت: وبيان جريه في أفعاله تعالى أن يقال: حال ما فعل الله الفعل إما أن يصح منه الترك أو لا، إن قيل: لا، لزم الجبر، وإن قيل: يصح، قيل: فإذا كان لا بد من المرجح، فوقوع فعله تعالى عنده إما على سبيل الوجوب لزم قدم العالم، وأن لا يكون مختارا إذ الداعي هنا ليس بفعل الله حتى نقول فاعل السبب فاعل المسبب، وإما على سبيل الجواز لزم التسلسل، فما أجبتم به فهو جوابنا، ولا مخلص لهم من هذا إلا بنفي المرجح، أو نفي كونه موجبا؛ إذ لا فارق إلا كونه تعالى قديما، والعبد محدثا، وهو لا يقتضي الفرق في الاختيار .
قال (الإمام يحيى) عليه السلام : فإن قالوا إن كون القديم يجب أن يكون فاعلا لا يخرجه عن حد الاختيار.
قلنا: وكون فاعلية العبد واجبة لا تخرجه عن حد الاختيار.
الوجه الثاني: أنه يلزم نفي الحسن والقبح الشرعيين؛ لأنهما في الشرع من صفات الأفعال الاختيارية، فإن حركة المرتعش والمغمى عليه لا توصف بحسن ولا قبح في الشرع، ويستلزم أيضا تكليف ما لا يطاق.
الوجه الثالث: أنا نعلم ضرورة حصول الفعل من دون المرجح كفعل الساهي والنائم، ولو كان لا يصح من دونه لما وقع، وإلا كان تأثيرا بلا مؤثر وهو باطل، وهذا يصلح حجة أيضا لمن لا يشترط المرجح.
الوجه الرابع: أنه لو كان تأثيره على جهة الإيجاب لما تمكن الفاعل من ترك الفعل عند وجوده، والمعلوم ضرورة أن الإنسان قد يترجح له الفعل ولا يفعله.
পৃষ্ঠা ১৪৮