وهكذا رأى ممنون نفسه، بعد أن عدل في الصباح عن النساء، وعن الإفراط في الطعام، وعن اللعب والمشاحنات، وعن البلاط بوجه خاص؛ قد انخدع بسيدة حسناء، وسرق، وسكر، ولعب، وخوصم، وخسر إحدى عينيه، وذهب إلى البلاط حيث سخر منه، وكل هذا حصل له قبل أن يهبط الليل.
عاد ممنون إلى بيته ممزق القلب من الألم، وقبل أن يدخل رأى رسل المحكمة يصادرون الأثاث من قبل دائنيه، فلبث تحت شجرة دلب على وشك أن يغشى عليه، وفي تلك الآونة مرت سيدة الصباح مع عمها العزيز، فلما وقع نظرها على ممنون معصوب العين انطلقت في الضحك، وإذ هبط الليل استلقى ممنون على كومة قش إزاء جدران بيته، وأصابته الحمى فرقد، وإذا بروح سماوي يتراءى له في الحلم.
كان هذا الروح يشع نورا، وله ستة أجنحة جميلة، ولكن ليس له قدمان، ولا رأس، ولا ذنب، ولا يمت بشبه إلى أحد، فسأله ممنون قائلا: من أنت؟ فأجابه الروح: أنا روحك الصالح. فقال له ممنون: رد إلي إذن عيني وصحتي ومالي وحكمتي، ثم قص عليه كيف خسر كل هذا في يوم واحد.
فقال الروح: هذه الحوادث لا تحصل لنا أبدا في العالم الذي نقطنه.
فقال الرجل الحزين: وأي عالم تقطنون؟
فأجاب الروح: إن وطني يبعد مسافة خمسمائة مليون فرسخ عن الشمس، فهو في نجمة صغيرة بالقرب من الشعرى التي تراها من هنا.
فقال ممنون: يا له بلدا جميلا! أليس عندكم لصات يخدعن رجلا مسكينا، ولا أصدقاء خلص يربحون ماله، ويفقئون عينه، ولا مفلسون، ولا حاشية تسخر منك وترفض دعواك؟
فقال ساكن النجمة: لا، ليس عندنا شيء من هذا؛ فنحن لم ننخدع بالنساء؛ إذ ليس عندنا نساء، ولا نفرط في الطعام؛ لأننا لا نأكل، وليس عندنا مفلسون؛ إذ ليس عندنا ذهب ولا فضة، وليس بوسع أحد أن يفقأ لنا أعيننا؛ إذ ليس لنا أجساد كأجسادكم، ورجال الحاشية لا يظلموننا؛ لأن جميع الخلق متساوون في نجمتنا الصغيرة.
فقال له ممنون: بماذا تصرفون وقتكم يا حضرة السيد الذي لا يعرف النساء ولا يأكل ولا يشرب؟
فأجاب الروح: نصرفه في السهر على سائر الكرات التي عهد إلينا بالسهر عليها، وها أنا ذا قد جئت لأواسيك.
অজানা পৃষ্ঠা