وما كنت لأستطيع إصدار قانون يحرم جبل (عمور) على المستعمر، كما يمنع دخول متحف وضعت فيه أشياء ثمينة في منتصف الليل مثلًا.
ولما كانت خبرتي السياسية والاجتماعية قد تكونت شيئًا ما، فقد عزمت على أن أبذر الخوف في كل مكان أمر فيه خلال جولات المحكمة.
كنت أشرح نظريتي للمضيف الذي يستقبلنا. وكانت تلك النظرية بسيطة:
ينبغي أن تفلح أكبر قدر من المساحة حتى تنشئ حقك على الأرض، تلك الأرض التي لا تملك فيها سوى ما تنْبته الطبيعة من العشب اللازم لقطعانك.
قلت للمضيف: «لابد إذن أن تنشئ حقك الاجتماعي في الأرض. ذلك الحق الذي يخولك أن تكون المالك الشخصي لها، وأن تكون لك الإرث الذي ينتقل إلى أبنائك».
كان المضيف دهشًا عمومًا من سماعه لحديث مثل هذا حول طبيعة حقه في أرض لم يجادل فيه أحد أجداده عبر الأجيال. هكذا تعمقت بنظريتي أكثر فأكثر. ثم أستمر قائلًا:
«وإلا فالمستعمر سيأتي ليحتل الأرض التي عليها خيمتك، وحينئذ أنت مضطر للرحيل من هنا لأنك في نظر القانون الفرنسي لست مالكًا للأرض».
لا أعرف ما إذا كانت أطروحتي هذه تجد أساسها في القانون المدني. ولكن الذي كان يهمني إنما هو أثرها في مستمعي، وكنت ألحظ بسرور أمارات الرعب على وجهه.
هكذا كنت في الذهاب أغرس ذلك القلق فأرى نتائجه في الإياب عبر الرحلة الواحدة للمحكمة.