পৃথিবীর একমাত্র পুরুষের মৃত্যু
موت الرجل الوحيد على الأرض
জনগুলি
والهواء أيضا حركته بطيئة، يهز رءوس الأشجار بحركة تكاد لا ترى، وذرات التراب الرقيقة تتطاير من فوق الجسر إلى المنخفض، حيث ترقد البيوت الطينية السوداء، بنوافذها الصغيرة المغلقة، وأسطحها المنخفضة المتعرجة، تعلوها أكوام الحطب والقش والجلة، وتهبط إلى الأزقة الملتوية المسدودة بأكوام السباخ ، ثم تستقر في النهاية على وجه الترعة، تعلوها طبقة معتمة شبه طينية.
تظل زكية تمشي ومن خلفها الجاموسة؛ خطوتها لا تتغير، وجهها لا يتغير، والنيل عن يسارها لا يتغير، لكن المنظر عن يمينها يتغير، تتحرك البيوت الطينية إلى الخلف وتصبح وراءها، وتظهر أمام عينيها الحقول الخضراء كشريط طويل ممتد بطول النيل.
تظل سائرة بين النيل والحقول، حركتها لا تتغير، لكن لون السماء يتغير؛ ينقشع السواد شيئا فشيئا، وخط الشفق الأحمر يرتفع في السماء، مكتسبا لونا برتقاليا زاهيا، ثم يبرز قرص الشمس من بطن الأرض ويرتفع في السماء زاحفا ببطء، يكشف عن نفسه جزءا جزءا. قبل أن ينتشر نور النهار وتضيء الدنيا، تكون زكية قد وصلت إلى حقلها وربطت الجاموسة في الساقية على حافة الترعة، وخلعت طرحتها السوداء، وشمرت أكمامها، ورفعت ذيل جلبابها وربطته حول خصرها، ثم حملت الفأس وبدأت تفلح الأرض.
يرن صوت فأسها في الحقول المجاورة قويا ثابتا، وعضلات ذراعيها قوية مشدودة، وجلبابها منحسر عن ساقين طويلتين عضلاتهما قوية نافرة كعضلات رجل. وجهها لا يزال طويلا نحيلا، لكنه لم يعد شاحبا، حرقته الشمس ولوحته بسمرة قاتمة خالية من الدم. ظهرها لم يعد مرفوعا، ولكن عينيها لا تزالان مرفوعتين في تحد أشبه بالغضب أو غضب أشبه بالتحدي. وضربات فأسها، كملامحها، غاضبة متحدية للأرض. ترفع الفأس إلى أعلى، كأنما تضرب به السماء، ثم تهوي به إلى أسفل لتشق بطن الأرض.
تظل ضربات فأسها قوية ثابتة، لا تسرع ولا تبطئ، كدقات الساعة، تقتل الزمن دون أن يقتلها، وتكسر الأرض دون أن تنكسر، ترن في الحقول المجاورة طول النهار بغير توقف، حتى في وقت الظهيرة حين تتوقف فئوس الفلاحين الرجال ساعة الغداء، تظل ضربات زكية تدق الأرض، والجاموسة أيضا قد تتوقف لحظة، وتكف الساقية عن صريرها المنتظم، لكن فأس زكية تظل ترتفع وتنخفض وترتفع وتنخفض.
ترتفع الشمس في وسط السماء، ويصبح قرصها كقطعة من الجمر الملتهب، تخنق الهواء، وتخنق الشجر، ويصبح كل شيء أحمر مختنقا، لكن وجه زكية لا يكتسب أبدا اللون الأحمر ، يتصبب منه العرق ويسيل على الأرض يروي الأرض، ويظل بلونه الأسمر القاتم خاليا من الدم، كوجه الجاموسة، قد تحرقه الشمس فيزداد سوادا لكنه أبدا لا يشف من تحته الدم.
يبدأ قرص الشمس في الانحدار ناحية الغرب، فاقدا توهجه الأحمر الملتهب، ويبدأ الهواء يتحرك قادما من ناحية النيل، وتتحرك رءوس الأشجار بحركتها البطيئة الكسولة، وينتشر اللون البرتقالي في السماء يعقبه اللون الرمادي. يجف العرق فوق وجه زكية كطبقة رمادية معتمة، تختفي تحتها السمرة القاتمة. تترك الفأس وتشد عضلاتها بقوة ليصبح ظهرها مرفوعا. تشد أكمامها فوق ذراعيها وتفك جلبابها من حول خصرها لينسدل طويلا فوق ساقيها حتى يغطي قدميها. تضع الطرحة السوداء فوق رأسها وتسحب الجاموسة عائدة في الطريق نفسه، إلا أن النيل يصبح الآن عن يمينها والحقول عن يسارها، والشفق الأحمر يصبح ناحية الغرب، ورءوس الأشجار البعيدة من وراء النيل.
يقع ظلها وظل الجاموسة فوق الجسر الترابي. ظلها طويل ممشوق مرفوع الظهر، مرفوع الرأس، وخطواتها قوية متحدية. ظل الجاموسة محني الظهر، منخفض الرأس، خطواتها مرهقة مرتخية مستسلمة. يسيران كالشبحين الصامتين بحذاء النيل الصامت، والحقول أيضا من الناحية الأخرى صامتة، شريط طويل من الخضرة الساكنة بحذاء مياه النيل الساكنة، والهواء صامت، وهما يسيران، زكية ومن خلفها الجاموسة، حتى تصبح الحقول وراءها وتظهر أمامها البيوت الطينية متلاصقة تميل ناحية الجسر كأنما تستند إلى بطن الجسر خشية من المنخفض الترابي.
عند المنحدر، تهبط زكية ومن خلفها الجاموسة، يهبطان الجسر ويسيران في الأزقة بين البيوت حتى الباب الخشبي الكبير، تدفعه زكية بيدها السمراء المعروقة فينفتح محدثا صريره الغليظ. تترك الجاموسة إلى الزريبة، تدخل وحدها، تعرف طريقها إلى الزريبة. أما زكية فتجلس على الأرض في مدخل البيت، مسندة ظهرها إلى الجدار، ووجهها ناحية الطريق، ترمقه بعينيها الواسعتين من خلال فتحة الباب الكبيرة.
تظل جالسة لا تتحرك، شاخصة بعينيها الثابتتين نحو شيء محدد؛ قد يكون كوم سباخ أمام عتبة الباب، قد تكون عتبة الباب نفسها، أو براز طفل بجوار الحائط، أو جيشا من النمل حول خنفسة ميتة ، أو أحد الأعمدة الحديدية السوداء في الباب الكبير المواجه لبابها. وقد تظل محملقة في الفراغ، حتى تشعر بألم حاد في عظام رأسها؛ فتلف الطرحة وتشدها بقوة حول رأسها. وحين يصبح الألم في معدتها تشد مشنة الخبز من جوارها، فتنفرج شفتاها المطبقتان عن فتحة ضيقة تدس فيها قطعة خبز مقددة تعقبها بقطعة من الجبن القريش أو المخلل.
অজানা পৃষ্ঠা