প্রাক্তন মন্ত্রীর মৃত্যু
موت معالي الوزير سابقا
জনগুলি
وحين دق جرس التليفون ظننت أن الرنين يأتيني من أي مكان فوق الأرض إلا مكتبك، وحين أتيت إليك كنت أظن أننا سنتبادل بعض كلمات عادية، كتلك المجاملات المألوفة بين المعارف والأصدقاء، لكن كلماتك لم تكن عادية، وعتابك لم يكن مألوفا. وبقدر ما دهشت لم أدهش، وبقدر ما تألمت لم أتألم. وقلت لك إنني حاولت مرة أن ألقاك ولم يأتني الرد، ولم تصدقني، وقلت لي لو أردت أن تأتي لأتيت. وأكدت لك أنني حاولت مرة لكنك لم تصدقني، وقلت لي لو رغبت حقا في لقائي لما استطاع أن يحول بين لقائنا شيء. كنت شديد القسوة في عدم تصديقك لي ... وبقدر ما آلمتني قسوتك بقدر ما أدهشتني، ولعلك رأيت الدهشة في عيني تشبه الدموع، كنت مندهشة إلى حد البكاء، فهل يمكن بعد كل هذه السنين أن تمسك الذاكرة بشيء لم يحدث؟ أو أنه إذا كان قد حدث فلم يكن إلا لحظة خاطفة كلمعة ضوء ظهرت ثم اختفت، كخفقة قلب دقت مرة واحدة ثم اندثرت بين ملايين الدقات.
وحين أصبحت يديك حول يدي في المصافحة الأخيرة كنت أدرك أن ستقبلني، وأن قبلتك فوق وجهي ستكون حانية ورقيقة إلى حد الشفافية، كقبلة طفل فوق وجه طفل، بريئة وغير بريئة، ككل المشاعر التلقائية.
وأعطيتني رقم تليفونك على قصاصة ورق صغيرة، ووعدك بأن أتصل، وكنت صادقة في وعدي، لكني ما إن خرجت إلى الشارع المزدحم حتى بدا لي كل شيء كالحلم أو كالوهم، وبدا لي العتاب شيئا عاديا يمكن أن يحدث بين أي صديقين يلتقيان بعد غيبة طويلة، وأن القبلة أيضا شيء عادي يمكن أن تحدث بين صديقين أو زميلين. وأدركت - وأنا أسير بخطوتي السريعة - أنني سأظل أسير بسرعتي المعهودة حتى أموت وأنا سائرة، وأن سنين أخرى طويلة ستمضي قبل أن أعرف الحقيقة من اللاحقيقة، وأنني في كل مرة أعجز عن اقتحام الموت، أعجز عن تمزيق الشعرة بين الشك واليقين، هل أنا على صواب والعالم مخطئ؟ أم أنا المخطئة والعالم على صواب؟ إذا كنت لا تصدقني هذه المرة فأنا أعاتبك، وإذا كنت تصدقني فإن عتابي لك أشد.
الجلسة السرية
أول ما شعرت به ذلك الضوء الباهر القوي، لم تر شيئا، كان الضوء مؤلما رغم أن لا تزالان مغمضتين، الهواء البارد ضرب وجهها وعنقها العارية، وتسرب من فتحة العنق إلى صدرها وبطنها، وهبط إلى أسفل حيث الجرح النازف، وأصبح كصفعة حادة فوق نسيج هش حساس. وضعت يديها فوق عينيها لتحميهما من الضوء، وبيديها الأخرى أغلقت فتحة العنق وهي تضم ساقيها على الألم المفاجئ، شفتاها أيضا مضمومتان مطبقتان على ألم لم يعرفه جسدها من قبل، أشبه بوخز الإبر في عينيها وثدييها وتحت الإبط وأسفل البطن. وقدماها وساقاها من طول ما نامت وهي واقفة، ومن طول ما وقفت وهي نائمة، لم تعد تعرف في أي وضع يكون جسدها، أفقيا أو رأسيا، معلقة من قدميها في الهواء، أو واقفة على رأسها في ماء.
ما إن أجلسوها وتحسست ببطن كفيها المكان الذي جلست عليه حتى استرخت عضلات وجهها، واستعادت شكلها الآدمي. رجفة من اللذة العارمة المفاجئة هزت أحشاءها حين اتخذ جسدها وضع الجلوس فوق ذلك المقعد الخشبي، وربما تقلصت عضلات شفتيها عن ابتسامة واهنة. قالت لنفسها: كم أدرك الآن أن الجلوس راحة كبرى.
الضوء لا زال قويا، وعيناها لا تزالان غير قادرتين على الرؤية، لكن أذنيها بدأتا تسمعان بعض الأصوات والهمهمات. رفعت يديها من فوق عينيها، وبدأت تفتحهما بالتدريج، أشباح آدمية تتحرك أمامها من فوق شيء مرتفع، شعرت بخوف مفاجئ؛ فالأشباح الآدمية تخيفها أكثر من أي أشباح أخرى. هذه الأجسام الطويلة التي تتحرك بسرعة وخفة فوق ساقين داخل سروال وقدمين داخل حذاء. وكل شيء يتم في الظلام بمنتهى السرعة والخفة، وهي لا تستطيع أن تبكي أو تصرخ. لسانها، عيناها، فمها، أنفها، كل ملامحها تحجرت، وجسدها لم يعد جسدها، وإنما جسد عجل صغير يضرب بكعوب الأحذية، وتدخل العصا الغليظة بين فخذيها لتمزق أحشاءها، ثم تركل بالقدمين في ركن مظلم، وتظل متكورة حول نفسها حتى اليوم الثاني، وفي اليوم الثالث لا تعود كما كانت، وإنما تظل حيوانا صغيرا عاجزا عن النطق بتلك الكلمة العادية التي ينطقها البشر: يا رب. وتقول لنفسها: هل الحيوانات مثل الإنسان تعرف شيئا اسمه الرب؟
بدت عيناها تريان الأجسام الجالسة على ذلك المكان المرتفع، فوق كل رأس جسم، الرءوس ملساء بغير شعر، حمراء في الضوء كمؤخرات القرود، ذكور كلهم لا شك؛ لأن المرأة مهما شاخت فلا يمكن لرأسها أن يصبح كمؤخرة القرد. بحثت بعينيها لترى بوضوح أكبر. في الوسط رجل سمين يرتدي شيئا كالقفطان الأسود، فمه مفتوح، وفي يده شيء كالمطرقة، يذكرها بحاوي القرية، وعيناها وعيون الأطفال كلها مبهورة مفتوحة على يده التي تحول العصا إلى ثعبان أو نار. المطرقة تتلوى في يده كالأفعى، ودوى في أذنيها صوت حاد يقول: محكمة! قالت لنفسها: لا بد أنه القاضي. وهي لأول مرة في حياتها ترى قاضيا، ولأول مرة تدخل محكمة، كلمة محكمة سمعتها لأول مرة وهي طفلة، سمعت خالتها تقول لأمها: لم يصدقني القاضي وطلب مني أن أعري جسمي ليرى علامات الضرب، وقلت له لا أعري جسمي أمام رجل غريب؛ فرفض الدعوى وأمرني بالعودة إلى زوجي. كانت خالتها تبكي ولم تعرف ذلك الحين لماذا يطلب القاضي منها أن تعري جسمها؟! وسألت نفسها: يا ترى هل يطلب القاضي مني أن أعري جسمي؟ وماذا يقول حين يرى ذلك الجرح؟
تعودت عيناها على الضوء تدريجيا، وبدأت ترى وجه القاضي بوضوح أكثر، وجهه أحمر أيضا كرأسه، وعيناه مستديرتان جاحظتان كعيني الضفدع، تتحركان ببطء هنا وهناك، وأنفه كبير مقوس كمنقار الحدأة، من تحته شارب أصفر كثيف كحزمة من العشب الجاف تهتز فوق فتحة فمه المشدود كالسلك، والمفتوح دائما كمصيدة الفئران.
لم تعرف لماذا ظل فمه مفتوحا، وهل كان يتكلم طول الوقت أم كان يتنفس من فمه، ورأسه الأصلع اللامع يتحرك دائما بتلك الحركة التي تشبه الإيماءة؛ فيرتفع قليلا ويتحرك إلى الوراء ليدخل في شيء مدبب، ثم ينخفض قليلا متحركا إلى الأمام حتى تدخل ذقنه في فتحة عنقه. ولم تكن ترى بعد ماذا وراءه، لكنها رأت أن رأسه حين يرتفع ويتحرك إلى الوراء يدخل في شيء مدبب أشبه ببوز حذاء. ودققت النظر وتأكدت أنه حذاء فعلا مرسوم على الجدار فوق رأس القاضي، ومن فوق الحذاء رأت الساقين المشدودتين داخل السروال المشدود كأنما من الجلد الثمين، جلد نمر أو جلد ثعبان، والسترة أيضا مشدودة فوق الكتفين، ومن فوق الكتفين يطل الوجه الذي رأته آلاف المرات في الصحف، عينان شاخصتان إلى فراغ، فيهما من الغباء أكثر مما فيهما من السذاجة، وأنف مسطح كأنما ضرب بالمطرقة حتى استكان، وفم مزموم ينم عن جدية مصطنعة يتقنها كل الحكام والملوك حين يقفون أمام آلة التصوير. رغم عضلات فمه المزمومة في كبرياء وجدية فإن عضلات خديه مرتخية، من تحتها ابتسامة هزلية ساخرة، فيها مجون مزمن أو فساد منذ الطفولة.
অজানা পৃষ্ঠা