প্রাক্তন মন্ত্রীর মৃত্যু
موت معالي الوزير سابقا
জনগুলি
وإلى هنا وأصبح أبي عاجزا عن الاحتفاظ بالوجه غير الحقيقي؛ فرفعه بحركة سريعة بيده، ورأيت وجه أبي بفكيه الكبيرين العريضين كوجه الظبي الوحشي. ولأول مرة يصبح وجه أبي أمامي طبيعيا. ولم أعد خائفا كما كنت خائفا من قبل، ولا أدري كيف عادت إلي كل شجاعتي؛ فقلت له بصوت هامس أول الأمر: لا أحبك. وحينما تجمد أمامي لحظة تشجعت أكثر، ورفعت صوتي أكثر، وقلت له: لا أحبك. وحينما سمعت صوتي واضحا بأذني، وتأكدت أنه صوتي؛ تشجعت أكثر وأكثر، وقلت له: لا أحبك. وهكذا استمر بي الحال، حتى وجدت نفسي أصيح بصرخة طويلة متصلة اتصالا لا نهائيا: لا أحبك ...
وقفز فوقي كالنمر المفترس، لكن أمي كانت أسرع منه، وفي غمضة عين أصبحت أمي بجسدها الكبير بيني وبينه. لم أكن أرى وجهها لأني كنت أقف خلفها، لكني أدركت من انقباض عضلات ظهرها وتكورها أنها أصبحت كالنمرة التي تتأهب للانقضاض. ولم أعرف تماما ماذا حدث؛ فقد كفت الأصوات عن أن تكون آدمية، وكل شيء تغير في لحظة أو في ثانية، والثانية أيضا لم تكن هي الثانية؛ فالزمن تغير ولم يعد هو الزمن، وأصبحت عاجزا عن التعرف على أي شيء حولي، بل عجزت عن التعرف على نفسي وحقيقة وجودي حيا أو ميتا، وخيل إلي أنني أموت وأصحو ثم أموت وأصحو عشرات المرات، مئات المرات، آلاف المرات. هكذا إلى ما لا نهاية أموت وأصحو، كأنما سقط جسدي في قاع دوامة تدور بسرعة رهيبة، أسرع من دوران الأرض حول نفسها.
على أن حركة الأرض توقفت تحت قدمي فجأة، وتوقف معها الزمن، وكل شيء توقف وتجمد، وفتحت عيني فرأيت جسد أمي فوق الأرض، كنت أظن أنها نائمة كعادتها حين تنام في الصيف على الأرض، واقتربت منها في وجل وهمست في أذنها: «أمي» لكنها لم ترد، دهشت ... كانت تصحو لأقل صوت، بل كانت تصحو قبل أن يصدر الصوت، وقبل أن تنفرج شفتي عن الكلمة تفتح عينيها وتصحو، بل قبل أن تفتح عينيها كنت أحس جسدها يتحرك قبل أن تتحرك شفتي، وقبل أن أنطق الكلمة، وقبل أن أسمع أنا صوتي تكون هي قد سمعته.
رغم أنني أدركت من حيث لا أدري أنها لن تسمعني بأي شكل؛ فقد ظللت أهمس في أذنها بالكلمة، وحينما جاء أبي ومعه عمي وخالي وحملوها بعيدا عني، وأصبح البيت بغيرها دهشت، ليست تلك الدهشة العادية التي يندهشها الكبار، وإنما هي دهشة الطفل، تلك الدهشة العجيبة، حين تبدو له كل الأشياء غير حقيقية، وأن الذي حدث كالذي لم يحدث، والحلم كالحقيقة، والحقيقة كالحلم. وانتقل أبي إلى بيت آخر وأخذني معه، ومضت الأيام والسنون، وكبرت وشخت ومت، ومع ذلك فلا يزال يخيل إلي أن ما حدث لم يحدث.
وأنه لم يكن إلا الآن فقط، بعد أن ارتفعت فوق الأرض، واستطعت أن أرى الأرض بوضوح، وأراكم بوضوح، الآن فقط أدركت الجريمة العظمى التي ارتكبت في الخفاء ولم يعلم بها أحد. إن الجريمة الأولى في الحياة البشرية لم تكن أن قابيل قتل هابيل، ولكن آدم قتل أمي، قتلها لأني أحببتها ولم أحبه، ويا ليته أدرك أنه كان في إمكاني أن أحبه لو أنه أحبني، لكن أبي كان عاجزا عن الحب، كنت أدرك - رغم أنني طفل - أنه لا يحبني، ولا يحب أمي، وإنما يحب فقط أن يأكل وأن يشبع.
رسالة حب عصرية
أكتب إليك هذه الرسالة يا صديقي كمحاولة لأن تفهمني أو أفهمك أو أفهم نفسي، وقد تكون النتيجة لا شيء، فمن ذا الذي يمكن أن يفهم نفسه أو يفهم الآخر؟ من الذي يمكن أن يكسر القوقعة؟ إن محاولة الكسر ليست إلا تأكيدا لعدم الكسر، ومحاولة الفهم ليست إلا مزيدا من الإغراق في عدم الفهم. ومع كل ذلك أنا أحاول، أدرك عن يقين أن محاولتي عبث، ولكني لا أكف عن المحاولة؛ كالحياة لا أكف عن العيش فيها وأنا أدرك أنني لا محالة ميتة.
قد تدهش وقد لا تدهش لأني أسمي هذه الرسالة رسالة حب؛ فالعلاقة بيننا لم ننطق فيها بكلمة الحب، ربما استخدمنا كلمات أخرى، مثل الود والصداقة والإعزاز، وكلها كلمات بلا معنى، بلا تحديد، فما معنى كلمة «الود» التي وصفنا بها علاقتنا مرة؟ إنها لا تعني شيئا، إنها لا تعني الحب، ولا تعني عدم الحب، وإنما ذلك الشعور المتوسط بين الحب واللاحب، ذلك الموقف المتوسط بين الشيء واللاشيء، حين يحب الإنسان ولا يحب، ويغضب ولا يغضب، ويكره ولا يكره، ويقول ولا يقول، ويمسك الحبل دائما من الوسط. ذلك الموقف المتميع المتوسط في كل شيء، والذي يقدسه أطباء النفس ويطلقون عليه اسم الصحة النفسية. هذه الصحة - في نظرهم - هي أن يكون الإنسان متوسطا في كل شيء، متوسط الذكاء، متوسط الحماس، متوسط الحب، متوسط الكراهية، متوسط الطموح، متوسط الصدق.
ولأن الصدق لا يعرف التوسط فلا بد للإنسان من قدر من الكذب ليحظى من أطباء النفس بلقب السليم نفسيا، ولأن الحب كالصدق لا يعرف التوسط فلا يمكن أن تعني كلمة «الود» شيئا في أية علاقة.
ما هي العلاقة بيننا؟ كيف نشأت؟ هل كانت لها نقطة بداية؟ أو بعبارة أخرى: هل بدأت في أول لقاء أم آخر لقاء أم في المنتصف؟ أحاول الآن أن أستجمع الخيوط في ذاكرتي لأعرف متى كان أول لقاء، وكيف بدت ملامحك أمام عيني، محاولة تبدو لي الآن مستحيلة، كمحاولة تذكر المرة الأولى التي رأيت فيها وجهي في المرآة أو وجه أمي أو أبي، هناك ملامح ما إن تقع عيوننا عليها حتى تبدو وكأنما كانت معنا طول الوقت، كأنها جزء منا أو داخلنا وليست شيئا خارجا عنا. هل تذكر أنت أول مرة رأيتني؟ متى كان ذلك؟ في مكتبك، في مكتبي، في بيتك، في بيتي، في حقل أو في تجمع من تلك التجمعات التي يلتقي فيها دائما هؤلاء المثقفون. تلك الوجوه المشدودة في الابتسام وفي التكشيرة معا، والأشداق المنفوخة في الحديث وفي الصمت، وعضلات البطن المرتخية في الشهيق وفي الزفير، ونظرة العين الشاخصة دائما إلى فوق، مهما كان هذا الفوق، أحمر أو أخضر، ثمينا أو رخيصا.
অজানা পৃষ্ঠা