* سورة الفاتحة
* 1
পৃষ্ঠা ১
** المبحث الأول
* أهداف سورة «الفاتحة» (1)
تسمى «الفاتحة» لأن الله عز وجل افتتح بها كتابه ، ولأن المسلم يفتتح بها الصلاة. وقيل لأنها أول سورة نزلت من السماء ، فأول آيات نزلت من السماء هي الآيات الأولى من سورة «اقرأ» ، وأول سورة نزلت من السماء هي سورة «الفاتحة».
وتسمى «سورة الحمد» و «أم الكتاب» ، و «أما القرآن» ، لأنها أصل القرآن ، أو لأنها أفضل سورة في القرآن ، فقد اشتملت على أصول العقيدة وعلى الأهداف الأساسية للقرآن ، ففيها الثناء على الله وتعظيمه ودعاؤه.
وتسمى «الشافية» لأن فيها شفاء ودواء.
وتسمى «الصلاة» ، قال النبي (ص): «يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين».
يبدأ المؤمن قراءة الفاتحة بقوله : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. وتعرف الجملة الأولى بالاستعاذة ، وتعرف الثانية ب «التسمية» أو «البسملة».
وقد أمر الله بالاستعاذة عند أول كل قراءة ، فقال في سورة النحل المكية : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) (98) [النحل]. وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة ، لأن القرآن مصدر هداية ، والشيطان مصدر ضلال ؛ فهو يقف للإنسان بالمرصاد
পৃষ্ঠা ৩
في هذا الشأن على وجه خاص ، فعلمنا الله أن نتقي كيده وشره بالاستعاذة.
( بسم الله الرحمن الرحيم ) (1): هي بداية مباركة لسور القرآن ، ولكل عمل يعمله الإنسان ، فيتجرد من حوله وقوته ، ويبارك العمل باسم الله وبركة الله وقدرته.
وقد تكلم المفسرون كثيرا في معنى البسملة وفي علاقة بعض ألفاظها ببعض. قال بعضهم : معنى «بسم الله» : بدأت بعون الله وتوفيقه وبركته. هذا تعليم من الله لعباده ليذكروا اسمه عند افتتاح القراءة وغيرها حتى يكون الافتتاح ببركة اسمه جل وعز.
وقال الإمام محمد عبده : إنها تعبير يقصد به الفاعل إعلان تجرده من نسبة الفعل إليه ، وأنه لو لا من يعنون الفعل باسمه لما فعل ، فهو له وبأمره وإقداره وتمكينه ، فمعنى : «أفعل كذا باسم فلان» : أفعله معنونا باسمه ولولاه ما فعلته.
قال الأستاذ الإمام : وهذا الاستعمال معروف مألوف في كل اللغات ، وأقربه ما يرى في المحاكم النظامية حيث يبتدئون الأحكام قولا وعملا ، باسم السلطان أو الخديوي فلان.
( الحمد لله ): الحمد هو الثناء بالجميل على واهب الجميل و «الله» علم على الذات الأقدس ، واجب الوجود ، ذي الجلال والإكرام. وهي جملة خبرية معناها : الشكر لله ، وفيها عرفان لله بالفضل والمنة ، كما ورد في الأثر : «يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك».
وفي الفتوحات الإلهية : ( الحمد لله ): الشكر لله المعبود للخواص والعوام ، المفزوع إليه في الأمور العظام ، المرتفع عن الأوهام المحتجب عن الأفهام ، الظاهر بصفاته وآلائه للأنام.
( رب العالمين ) (2): الرب هو المالك المتصرف ، ويطلق في اللغة على السيد ، وعلى المتصرف للإصلاح والتربية.
والمتصرف للإصلاح والتربية يشمل العالمين ، أي جميع الخلائق. قال في تفسير الجلالين : «أي مالك جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة والدواب وغيرهم ، وكل منها يطلق عليه عالم يقال له عالم الإنس وعالم الجن ، إلى غير ذلك».
والله سبحانه لم يخلق الكون ليتركه
পৃষ্ঠা ৪
هملا ، وإنما هو يتصرف فيه بالإصلاح ويرعاه ويربيه ، وكل العوالم تحفظ وتتعهد برعاية رب العالمين.
والصلة بين الخالق والخلائق صلة دائمة ممتدة في كل وقت وفي كل حالة.
لقد حكى القرآن عن عقائد المشركين ، وصور التخبط الذي كان يحيط بالبشرية في الجاهلية. فمنهم من اتخذ أصناما يعبدها من دون الله ، ومنهم من جعل الالهة المتعددة رموزا للذات الإلهية ، وقالوا كما ورد في التنزيل : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) [الزمر : 3]. وقال القرآن عن جماعة من أهل الكتاب : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) [التوبة : 31].
وكانت عقائد الجاهليات السائدة في الأرض كلها يوم جاء الإسلام ، تعج بالأرباب المختلفة ، بوصفها أربابا صغارا تقوم إلى جانب كبير الالهة كما يزعمون.
جاء الإسلام وفي العالم ركام من العقائد والتصورات والأساطير والفلسفات والأوهام والأفكار ، يختلط فيها الحق بالباطل ، والصحيح بالزائف ، والدين بالخرافة ، والفلسفة بالأسطورة. والضمير الإنساني تحت هذا الركام الهائل يخبط في ظلمات وظنون لا يستقر منها على يقين.
ومن ثم كانت عناية الإسلام الأولى موجهة إلى تحرير أمر العقيدة ، وتحديد التصور الذي يستقر عليه الضمير في أمر الله وصفاته ، وعلاقته بالخلائق وعلاقة الخلائق به على وجه القطع واليقين.
وكان من رحمة الله بالعباد إنقاذهم من الحيرة ، وإخراجهم من الضلال إلى الهدى بهذا الدين الحنيف بما فيه من جمال وبساطة ، ووضوح وتناسق وسهولة ويسر ، وتجاوب مع الفطرة.
( الرحمن الرحيم ): الرحمن : صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة ، الرحيم : صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.
ونلاحظ أن كلمة الرحمن لم تذكر في القرآن ، إلا وقد أجريت عليها الصفات ، كما هو شأن أسماء الذات.
قال تعالى : ( الرحمن (1) علم القرآن ) (2) [الرحمن] ، ( الرحمن على العرش استوى ) (5) [طه]. أما
পৃষ্ঠা ৫
«الرحيم» ، فقد كثر استعمالها وصفا فعليا ، وجاءت بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال تعالى : ( إن الله بالناس لرؤف رحيم ) (143) [البقرة] و ( وكان بالمؤمنين رحيما ) (43) [الأحزاب] و ( وهو الغفور الرحيم ) (107) [يونس]. كما جاءت الرحمة كثيرا على هذا الأسلوب ( ورحمتي وسعت كل شيء ) [الأعراف : 156] ( ينشر لكم ربكم من رحمته ) [الكهف : 16].
ف «الرحمن» : اسم الله يدل على قيام الرحمة بذاته سبحانه ، و «الرحيم» صفة تدل على وصول هذه الرحمة إلى العباد.
تقول : فلان غني بمعنى : أنه يملك المال ، وفلان كريم بمعنى أنه ينقل المال إلى الآخرين.
ورحمة الله لعباده لا حد لها ، فهو الذي خلقهم وأوجدهم وسخر لهم الكون كله وأمدهم بنعمه التي لا تعد ولا تحصى ، ثم هو يفتح بابه للتائبين ويعطي السائلين ، ويجيب دعاء الداعين. قال تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) (186) [البقرة].
إن واجبنا أن نغرس في أبنائنا محبة الله ، وأن نعودهم عبادته حبا له واعترافا بفضله وإحسانه ، وذلك هو منهج الإسلام. فإن الله في الإسلام ، لا يطارد عباده مطاردة الخصوم والأعداء ، كآلهة الأولمب في نزواتها وثوراتها ، كما تصورها أساطير الإغريق ، ولا يدبر لهم المكائد الانتقامية كما تزعم الأساطير المزورة في العهد القديم ، كالذي جاء في أسطورة برج بابل في الأصحاح الحادي عشر من سفر التكوين.
فالله ، في الإسلام ، رحمن رحيم ، ليس مولعا بالانتقام والتعذيب. وبعض الناس يحلوا لهم أن يصوروا الإله منتقما جبارا لا هم له إلا تعذيب الناس وإلقاؤهم في نار جهنم ، وهي نغمة نابية عن روح الإسلام ، غريبة عن نصوصه وتشريعاته السمحة.
( مالك يوم الدين ) (4): أي أن الله هو المالك المتصرف يوم القيامة ، فالناس في الدنيا يملكون ويحكمون ويتصرفون ، فإذا كان يوم القيامة وقف الناس جميعا للحساب الصغير والكبير ، السوقة والأمير ، الوزير والخفير ، الملك والأجير ، كل الناس قد وقفوا حفاة عراة مجردين من كل جاه أو
পৃষ্ঠা ৬
سلطان أو رتبة أو منزلة ، وينادي الله سبحانه : لمن الملك اليوم؟ فيكون الجواب : ( لله الواحد القهار ) (16) [غافر].
و ( يوم الدين ) وهو يوم الحساب والجزاء ، قال ابن عباس : ( يوم الدين ) هو يوم حساب الخلائق ، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، إلا من عفا عنه ، فالأمر أمره. قال تعالى : ( ألا له الخلق والأمر ) [الأعراف : 54].
والاعتقاد بيوم الدين كلية من كليات العقيدة الإسلامية ، وأساس من أسس السعادة والنجاح للفرد والمجتمع.
فالمؤمن ، عند ما يتيقن أن هناك يوما للجزاء والحساب يدفعه إيمانه إلى مراقبة الله والتزام أوامره واجتناب نواهيه. ولهذا فإن التشريعات الإسلامية تتخذ طابعا مميزا في التطبيق ، فإن المؤمن ينفذها راغبا في ثواب الله راهبا لعقابه.
أما التشريعات الواضعية ، فإن تنفيذها مرتبط بالخوف من السلطة. وعند ما يتأكد الشخص من بعده عن أعين السلطة ، فإن هذا يهون عليه ارتكاب المخالفة.
أما القانون الإلهي ، فإنه مرتبط بسلطة عليا لا تغيب ولا تختفي أبدا. إنها سلطة الله الذي يعلم السر وأخفى ، ويطلع على الإنسان أينما كان وحيثما وجد. ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ) [المجادلة].
( إياك نعبد وإياك نستعين ) (5):
لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك. فأنت المستحق للعبادة ، وأنت ( نعم المولى ونعم النصير ) (40) [الأنفال].
ومعنى العبادة خضوع لا يحد لعظمة لا تحد ، وهي تدل على أقصى غايات التذلل القلبي والحب النفسي ، والفناء في جلال المعبود وجماله ، فناء لا يدانيه فناء.
هي سعادة المؤمن ، بأنه يقف بين يدي الله خاشعا خاضعا عابدا متبتلا ،
পৃষ্ঠা ৭
ذاكرا لآيات الله ، معتزا بصلته بالله ، مناجيا إلها سميعا بصيرا مجيبا.
والعبادة لله تحرر المؤمن من كل عبودية لغير الله ، لأنه يثق بأن الله هو الخالق الرازق المعطي المانع ، وأن بيده الخلق والأمر ، وأن أمره بين الكاف والنون : ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) (82) [يس].
وإذا صدقت عبودية المؤمن لله تحرر من عبوديته لكل العبيد ، فازداد عزا بالله ، وثقة به واعتمادا عليه ، وصار سعيدا بحياته ، راضيا عن سعيه ، واثقا بأن هناك جزاء عادلا في الاخرة ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) (8) [الزلزلة].
والمؤمن حين يقف بين يدي الله فيقول :
( إياك نعبد وإياك نستعين ) (5)، يحس سعادة أي سعادة ، حيث يقف وهو المخلوق الضعيف ليخاطب الله القادر ، بقوله : إياك نعبد. فأنا عابد في محرابك ، مستعين بك في أموري كلها.
* قول عبد الله بن عباس ،
* وابن جرير الطبري
1 عن ابن عباس ، قال : ( إياك نعبد ) إياك نوحد ونرجو يا ربنا ونخاف ، و ( وإياك نستعين ) إياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها.
2 وقال الطبري : معنى : ( إياك نعبد ): لك اللهم نخشع ونذل ونستكين إقرارا لك بالربوبية لا لغيرك. ومعنى ( وإياك نستعين ) وإياك ربنا نستعين على عبادتنا إياك ، وطاعتنا لك في أمورنا كلها لا أحد سواك ، إذا كان من يكفر بك يستعين في أموره بمعبوده الذي يعبده من الأوثان دونك ، ونحن بك نستعين في جميع أمورنا مخلصين لك العبادة.
( اهدنا الصراط المستقيم ) (6):
الصراط المستقيم : هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف ، وقد كثر كلام المفسرين في المراد بالصراط المستقيم.
قال ابن عباس : الصراط المستقيم ، هو الإسلام. وقال الإمام علي : الصراط المستقيم ، هو كتاب الله تعالى
পৃষ্ঠা ৮
ذكره. وقال أبو العالية : ( اهدنا الصراط المستقيم ) (6) الصراط هو الطريق ، والمعنى وفقنا إلى طريق رسول الله (ص).
وكل هذه الآراء تلتقي على أن معنى الصراط المستقيم هو : جملة ما يوصل الناس إلى سعادة الاخرة والدنيا من عقائد وآداب وأحكام من جهتي العلم والعمل. وهو سبيل الإسلام الذي ختم الله به الرسالات السماوية ، وجعل القرآن دستوره الشامل ، وو كل إلى محمد (ص) تبليغه وبيانه.
( صراط الذين أنعمت عليهم ):
أي : طريق من أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء ، والصالحين ، الذين أطاعوك وعبدوك.
أو هو طريق السعداء المهتدين الواصلين.
قال تعالى : ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا (66) وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما (67) ولهديناهم صراطا مستقيما (68) ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (69) ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ) (70) [النساء].
( غير المغضوب عليهم ): وهم الكافرون أو هم اليهود.
( ولا الضالين ): وهم المنافقون الحائرون المترددون بين إيمانهم الظاهر وكفرهم الباطن.
طوائف الناس أما الحق :
تعددت أقوال المفسرين في بيان معنى المنعم عليهم ، والمغضوب عليهم ، والضالين ، والذي نراه :
أن المنعم عليهم هم المؤمنون الصادقون ؛
والمغضوب عليهم هم الكافرون الجاحدون ؛
والضالون : هم المنافقون الخائنون.
ودليل ذلك ما ورد في أول سورة البقرة حيث ذكرت السورة أن الناس أمام الحق ثلاثة أقسام :
المؤمنون : وقد جرى الحديث عنهم عنهم في أربع آيات أولها :
( الم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (2) الذين يؤمنون بالغيب
পৃষ্ঠা ৯
ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) (3) [البقرة].
والكافرون : وقد تحدثت عنهم السورة في آيتين من قوله تعالى : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6) ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ) (7) [البقرة].
والمنافقون : وقد تحدثت عنهم السورة في ثلاث عشرة آية تبدأ بقوله تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ) (8) [البقرة].
* في أعقاب السورة
جمع الله معاني القرآن في سورة الفاتحة ، فقد اشتملت على تعظيم الله وحمده والثناء عليه ، وهذا هو أصل العقيدة : الإيمان بالله والاعتقاد أن الله سبحانه ، يتصف بكل كمال وينزه عن كل نقص.
ففي النصف الأول من الفاتحة ثناء على الله بما هو أهله.
وفي النصف الثاني دعاء بالتوفيق والاستقامة على الصراط المستقيم.
فكأن الفاتحة قسمان ، قسم يتوجه العبد فيه بالثناء على الله ، وقسم يدعو فيه ربه ويطلب لنفسه الصلاح والهدى. وقد ورد في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة عن رسول الله (ص): «يقول تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل. إذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) (2) قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال ( الرحمن الرحيم ) قال الله أثنى علي عبدي ، فإذا قال ( مالك يوم الدين ) (4) قال الله : مجدني عبدي ، وإذا قال ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم (6) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) (7). قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».
ولعل هذا الحديث الصحيح ، يوضح سر اختيار هذه السورة المباركة ، ليقرأها المؤمن سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة ، أو ما شاء الله أن يرددها كلما قام يدعوه في الصلاة.
فكأنها في الإسم «مجمع أشعة» تنير
পৃষ্ঠা ১০
بضوئها كل شيء ، وتبسط نورها في المؤمن فيزداد يقينا وإيمانا. وهي نشيد إلهي يردده المؤمن معترفا لله بالفضل ، شاكرا له جميل نعمه ، مستهديا إياه إلى الصراط المستقيم.
والنصف الأول من السورة يتعلق بالعقيدة والفكر ، والنصف الثاني يتعلق بالسلوك والعمل.
والمتتبع لأهداف القرآن الكريم ، الواقف على مقاصده ومعارفه ، يرى أنه جاء تفصيلا لما أجملته هذه السورة وحددته من صلاح العقيدة ، واستقامة السلوك.
قال تعالى ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ) (9) [الإسراء].
وقال (ص): «ليس الإيمان بالتمني ، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل».
وفي «صحيح البخاري» : أن سورة الفاتحة رقية من الداء ، وشفاء من الأمراض ، فكأنها شفاء حسي ومعنوي ، قال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) [الإسراء : 82].
পৃষ্ঠা ১১
** المبحث الثاني
* ترابط الآيات في سورة «الفاتحة» (1)
* تاريخ نزولها ووجه تسميتها
اختلف العلماء في تاريخ نزول الفاتحة ، فقيل إنها نزلت بمكة بعد سورة «المدثر» ، وهو قول أكثر العلماء. وقيل إنها نزلت بالمدينة ، وهو قول مجاهد. وقيل إنها نزلت مرتين : مرة بمكة ومرة بالمدينة ، وسبب ذلك ، التنبيه إلى شرفها وفضلها. وإذا كانت قد نزلت بعد سورة «المدثر» ، فهي خامسة سور القرآن في النزول. وقد نزلت بذلك في مرتبتها كفاتحة للكتاب ، بعد المناسبات التي اقتضت سبق السور الأربع لها. وبهذا تكون من السور التي نزلت بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة.
وقد سميت هذه السورة بهذا الاسم لأن القرآن افتتح بها في مصحف عثمان ، وهو المصحف الذي اعتمد على ترتيبه جمهور المسلمين ، وتبلغ آياتها سبع آيات.
* الغرض منها وترتيبها
نزلت هذه السورة لتكون من القرآن بمنزلة المقدمة للكتاب ، لأن نظام التأليف يقضي بألا يفاجئ المؤلف قراء كتابه بمقصوده منه ، بل يجب أن يبدأه على بصيرة به قبل الشروع فيه. وهذه المقدمة يجب أن تشتمل على ثلاثة أركان :
أولها ، افتتاحها باسم الله ، والحمد
পৃষ্ঠা ১৩
لله ، والثناء عليه ؛ شكرا له على ذلك التأليف الذي هدى إليه.
وثانيها ، إظهار الخضوع له ، وبيان أنه لا عون إلا منه سبحانه.
وثالثها ، الالتجاء إليه بالدعاء لاستمداد ذلك العون.
ويجب أن تشتمل ، مع هذا ، على ما يسمى براعة الاستهلال ، وهي أن يؤتى قبل الشروع في المقصود بما يشعر به ، ليدرك القارئ الغرض من وضع الكتاب ، ويكون على بصيرة به قبل الشروع فيه.
وقد اشتملت هذه السورة على هذه الأركان الثلاثة. فجاء في أولها ( بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله رب العالمين (2) الرحمن الرحيم (3) مالك يوم الدين ) (4)، فافتتحت باسم الله والثناء عليه بهذه الصفات التي تفرد بها دون غيره. وقد كان العرب ، في جاهليتهم يفتتحون كلامهم بقولهم : «باسمك اللهم» ، فاستبدل به القرآن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) (1)، إشارة إلى أن عهد الإسلام عهد رحمة ، وهو العهد الذي يجب أن يشمل العالم كله ، ويكون خاتمة العهود كلها. وهذا هو ركنها الأول.
ثم جاء فيها بعد ذلك ركنها الثاني بقوله تعالى :
( إياك نعبد وإياك نستعين ) (5) وفي ذلك إقرار بأنه لا معبود غيره ، ولا عون إلا منه.
ثم جاء ركنها الثالث بقوله تعالى :
( اهدنا الصراط المستقيم (6) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) (7). وفي ذلك براعة الاستهلال المطلوبة ، لأنه يشير إلى أن المقصود بالقرآن وضع دين جديد للخلق ، يشتمل على أحكام لا عوج فيها ولا انحراف ، ويصلح ما أفسده الناس في شرائع الله من قبل.
ولا شك أن هذه الفاتحة ، بهذا الشكل ، لم يسبق إليها كتاب قبل القرآن. وقد صارت بعده قدوة تتبع ، وسنة تحتذى ، وكفى ذلك دليلا على فضلها وحسن ترتيبها.
পৃষ্ঠা ১৪
** المبحث الثالث
* أسرار ترتيب سورة «الفاتحة» (1)
افتتح سبحانه كتابه بهذه السورة ، لأنها جمعت مقاصد القرآن ، ولذلك كان من أسمائها : أم القرآن ، وأم الكتاب ، والأساس (2). فصارت كالعنوان ببراعة الاستهلال.
قال الحسن البصري : إن الله أودع علوم الكتاب السابقة في القرآن ، ثم أودع علوم المفصل في الفاتحة. فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتاب المنزلة. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3).
وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرره الزمخشري ، باشتمالها على الثناء على الله بما هو أهله ، وعلى التعبد ، والأمر والنهي ، وعلى الوعد والوعيد ، وآيات القرآن لا تخرج عن هذه الأمور (4).
قال الإمام فخر الدين : المقصود من القرآن كله ، تقرير أمور أربعة : الإلهيات ، والمعاد ، والنبوات ، وإثبات القضاء والقدر.
فقوله تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ) (2) يدل على الإلهيات ، وقوله : ( مالك يوم الدين ) (4)
পৃষ্ঠা ১৫
يدل على نفي الجبر ، وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره. وقوله : ( اهدنا الصراط المستقيم ) (6)، إلى آخر السورة ، يدل على إثبات قضاء الله ، وعلى النبوات ، فقد اشتملت هذه السورة على المطالب الأربعة ، التي هي المقصد الأعظم من القرآن (1).
وقال البيضاوي : هي مشتملة على الحكم النظرية ، والأحكام العملية ، التي هي سلوك الصراط المستقيم ، والاطلاع على مراتب السعداء ، ومنازل الأشقياء (2).
وقال الطيبي : هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين :
أحدها : علم الأصول ، ومعاقدة معرفة الله عز وجل وصفاته ، وإليها الإشارة بقوله تعالى :
( رب العالمين (2) الرحمن الرحيم ) (3)، ومعرفة المعاد ، وهو المومى إليه بقوله : ( مالك يوم الدين ) (4).
وثانيها : علم ما يحصل به الكمال ، وهو علم الأخلاق. وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية ، والالتجاء إلى جناب الفردانية ، وسلوك طريقة الاستقامة فيها ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) (7).
قال : وجميع القرآن تفصيل لما أجملته الفاتحة ، فإنها بنيت على إجمال ما يحويه القرآن مفصلا ، فإنها واقعة في مطلع التنزيل ، والبلاغة فيه : أن تتضمن ما سيق الكلام لأجله ، ولهذا لا ينبغي أن يقيد شيء من كلماتها ما أمكن الحمل على الإطلاق (3).
وقال الغزالي في «خواص القرآن» : مقاصد القرآن ستة ، ثلاثة مهمة ، وثلاثة تتمة.
পৃষ্ঠা ১৬
الأولى : تعريف المدعو إليه ، كما أشير إليه بصدرها ؛ وتعريف الصراط المستقيم ، وقد صرح به فيها ؛ وتعريف الحال عند الرجوع إليه تعالى ؛ وهو الاخرة ، كما أشير إليه بقوله :
( مالك يوم الدين ) (4).
والأخرى : تعريف أحوال المطيعين ، كما أشار إليه بقوله : ( الذين أنعمت عليهم ) [الآية 7].
وتعريف منازل الطريق ، كما أشير إليه ، بقوله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) (5).
পৃষ্ঠা ১৭
** المبحث الرابع
* مكنونات سورة «الفاتحة» (1)
1 ( مالك يوم الدين ) (4):
هو يوم القيامة. أخرجه ابن جرير (2) وغيره من طريق الضحاك ، عن ابن عباس.
2 ( صراط الذين أنعمت عليهم ) [الآية 7] :
هم النبيون ، والصديقون ، والشهداء والصالحون ، كما فسره في آية النساء (3).
3 ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) (7):
الأول : اليهود. والثاني : النصارى. كما أخرجه أحمد ، وابن حبان ، والترمذي (4)، من حديث عدي بن
পৃষ্ঠা ১৯
حاتم قال : قال رسول الله (ص): «إن المغضوب عليهم هم اليهود ، وإن الضالين هم النصارى». وأخرجه ابن مردويه (1) من حديث أبي ذر.
পৃষ্ঠা ২০
** المبحث الخامس
* لغة التنزيل في سورة «الفاتحة» (1)
( بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله رب العالمين (2) الرحمن الرحيم (3) مالك يوم الدين (4) إياك نعبد وإياك نستعين (5) اهدنا الصراط المستقيم (6) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) (7)
تنتهي آيات هذه السورة بصوت النون أو الميم ، مسبوقين بالياء ، وفي ذلك ضرب من الإتقان في البناء ، يحققه هذا النمط البديع من «النظم». وإني لأميل مع القائلين : إن البسملة هي الآية الاولى في كلام الله ، فيكون العدد سبع آيات.
إن «الفاتحة» هي أم القرآن ، ومن أجل ذلك حفلت بالأفكار الكبرى ، التي تميز بها دين الله ، أي الإسلام ، وهي أنه عز اسمه رب العالمين ، الرحمن الرحيم ،. وهو وحده الذي يختص بالعبادة ، وهو وحده المستعان ، وفي هذه الآية الخامسة نجد «إياك» وقد قدمت على الفعلين «نعبد» و «نستعين».
وقد أشار أهل العلم إلى أن التقديم مؤذن بأنه ، وحده ، تقدست أسماؤه ، مخصوص بالعبادة ، وهو المستعان لا يشاركه في ذلك غيره ، وهذا كله مستفاد من هذه الطريقة في بناء الجملة ، وما كان من «التقديم» الذي أشرنا إليه. وإني لأرى أن التقديم قد حقق أيضا غرضا أسلوبيا وهو الحفاظ على «النظم» ، الذي يوفره ورود الآي على الميم والنون في أواخر الفواصل. وقد تحقق ضرب من التساوق البديع
পৃষ্ঠা ২১
في تقديم «إياك» على الفعلين كما بينا ، وفي ذلك كله اتفاق في النظم ، يتحقق في جماع مواد هذه السورة : ثم ما ذا؟ إن طول الآيات كلها قدر يكاد يكون متساويا في مادته ؛ وبهذا ضرب من التوافق والانسجام يخدم هذا البناء المتساوق في مادته ؛ ومن أجل هذا يعمد أهل التلاوة إلى الوقوف على قوله تعالى : ( أنعمت عليهم ) في الآية السابعة وقفة قصيرة ، ليتحقق نمط من التساوي في طول الآي.
পৃষ্ঠা ২২
** المبحث السادس
* المعاني اللغوية في سورة «الفاتحة» (1)
( بسم الله الرحمن الرحيم ) (1): «اسم» (في التسمية) صلة زائدة ، زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرك ، لأن أصل الكلام «بالله» (2). وحذفت الألف من «بسم» من الخط تخفيفا لكثرة الاستعمال ، واستغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط. فلو كتبت «باسم الرحمن» أو «باسم القاهر» لم تحذف الألف.
والألف في «اسم» ألف وصل ، لأنك تقول : «سمي» وحذفت لأنها ليست من اللفظ (3).
وقوله : ( وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ) [المائدة : 12] فهذا موصول لأنك تقول : «ثني عشر». وقوله : ( فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ) [البقرة : 60] موصول : لأنك تقول : «ثنتي عشرة» ، وقال ( إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما ) [يس : 14] ، وقال : ( ما كان أبوك امرأ سوء ) [مريم : 28] ، لأنك تقول في «اثنين» : «ثنين» وفي «امرئ» فتسقط الألف. وإنما زيدت لسكون الحرف الذي بعدها لما أرادوا استئنافه فلم يصلوا إلى الابتداء بساكن ، فأحدثوا هذه الألف ليصلوا إلى الكلام
পৃষ্ঠা ২৩