من معارك الإسلام الفاصلة = موسوعة الغزوات الكبرى
من معارك الإسلام الفاصلة = موسوعة الغزوات الكبرى
প্রকাশক
المكتبة السلفية
সংস্করণের সংখ্যা
الثالثة،١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م بعض الأجزاء تختلف
প্রকাশনার বছর
ينظر بداية كل جزء
প্রকাশনার স্থান
القاهرة
জনগুলি
محمد أحمَد باشميل
الكتابُ الأول
مِنْ معارك الإسلام الفاصِلة
غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى
المَكْتَبَةُ السَّلَفِيَّة - وَمَطْبَعَتُهَا
٢١ شارع الفتح بالروضة * القاهرة * تليفون ٨٤٠٣٦٤
1 / 1
(حقوق الطبع محفوظة)
(الطبعة الثامنة ١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م)
1 / 2
غَزْوَةُ بَدْرٍ الكُبْرَى
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدِّمَة الطبعَة الثَّالِثَة
انتصار الإسلام في يوم بدر
بقلم
اللوَاء الرُّكن
محمُود شيت خَطَّاب
عضو المجْمَع العِلمي العِراقي
- ١ -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيدي ومولاي رسول الله وعلى آله وأَصحابه أَجمعين ورضي الله عن قادة الفتح الإسلامي وجنوده الغر الميامين.
قضى رسول الله ﷺ، فترة حياته المباركة في مكة المكرمة من بعثته رحمة للعالمين إلى هجرته إلى المدينة المنورة في الجهاد الأكبر لوضع الأُسس السليمة لدولة الإسلام موحدًا من أجل الجهاد.
وفي هذه الفترة لاقى المسلمون أَذى كثيرًا: طوردوا وعذابوا، وأُخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.
وهاجر المسلمون إلى المدينة بأنفسهم تاركين ذويهم الأقربين تحت رحمة أعدائهم في خطر داهم مقيم، فابتدأَت في المدينة فترة الجهاد الأصغر من حياة سيد القادات وقائد السادات عليه أفضل الصلاة والسلام، فكانت حياته الغالية في المدينة من هجرته إليها حتى التحاقه بالرفيق الأعلى جهادًا من أجل التوحيد.
1 / 5
وأُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، فركبات خيل الله عليها فرسان النهار ورهبان الليل: البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، لا مدد لهم ولا كمين، يهدرون بالقرآن الكريم وبذكر الله ويرددون في دعائهم: "يا نصر الله اقترب".
وفي بدر، التقى الظلام بالنور، والكفر بالإيمان، والباطل بالحق، والتقت الجاهلية بالإسلام، فجاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا.
ودارت في بدر رحى معركة طاحنة بين فئتين غير متكافئتين: فئة قليلة مؤمنة، وفئة كثيرة كافرة، فانتصرت الفئة القليلة على الفئة الكثيرة بإذن الله: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾.
ولست أعرف معركة حاسمة من معارك الحرب الحاسمة، كيوم بدر، انتصرت فيه العقيدة السليمة على العقيدة الفاسدة، فكانت العقيدة وحدها هي السلاح الأول والأخير للمنتصرين.
كان المشركون أكثر عددًا من المسلمين، وكانوا أحسن عددًا وأغنى في قضاياهم الإدارية: كان عدة أصحاب رسول الله ﷺ ثلاثمائة وبضعة عشر، وكان عدة المشركين ألفًا، وكان مع المسلمين فرسان، وكان مع المشركين مائة فرس، وكان المسلمون حفاة عراة جياعًا، وكان المشركون ينحرون في يومًا عشرًا ويومًا تسعًا من الإبل، وكان المسلمون من قبائل شتى، وكان المشركون من قريش! ! .
إنه انتصار عقيدة لا مراء، فكيف كان ذلك؟
لقد بدل الإسلام العقول والنفوس من حال إلى حال! كان الرسول القائد ﷺ مثالًا شخصيًا رائعًا لأصحابه في التضحية والفداء.
1 / 6
كان المسلمون يوم بدر كل ثلاثة على بعير، فكان إذا كانت عقبة النبي ﷺ قال له صاحباه: "اركب حتى نمشي عنك"، فيقول: "ما أنتما بأقوى على المشي مني، وما أنا بأغنى عن الأَجر منكما".
وعند نشوب القتال يوم بدر، خرج ثلاثة من رجالات المشركين وقادتهم فدعوا إلى البراز، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار، فكره رسول الله ﷺ أن يكون أول قتال لقى فيه المسلمون المشركين في الأنصار، وأحب أن تكون الشوكة ببني عمه وقومه، فقال رسول الله ﷺ: "يا بني هاشم! قوموا قاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم إذ جاؤوكم بباطلهم ليطفئوا نور الله".
وفي المعركة كان النبي ﷺ يضرب بنفسه لأصحابه في الشجاعة والإقدام أروع الأمثال. قال الإمام علي بن أبي طالب ﵁: "ولمَّا كان يوم بدر وحضر البأس، اتقينا برسول الله ﷺ، وكان من أشد الناس بأسًا، وما كان أحد أقرب إلى المشركين منه".
وكان رسول الله ﷺ في أثر المشركين بعد انهيار صفوفهم يتلو الآية الكريمة: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾، فأجاز على جريحهم وطلب مدبرهم.
وبعد المعركة سلم ﷺ الغنيمة للمسلمين الذين حضروا بدرًا، وأخذ سهمه مع المسلمين، لا فرق بينه وبين أي مسلم آخر.
لم يستأثر بالدعة والأمن بل قاتل هو قتال الأبطال الصناديد أمام المقاتلين من أصحابه، ولم يؤثر ذوي قرباه بالراحة والاطمئنان بل آثرهم بالنزال والطعان، فلما انتصر المسلمون كان نصيبه من الغنائم نصيب أحدهم لا يزيد.
1 / 7
لقد كان الرسول القائد صلوات الله وتسليمه عليه أُسوة حسنة لأصحابه بأعماله لا بأقواله، وشتان بين الأعمال والأقوال، فلا موعظة في كلام لم يمتلئ من نفس صاحبه ليكون عملًا، ليتحول في النفوس الأُخرى عملًا ولا يبقى كلامًا.
ذلك هو الرسول القائد ﷺ، أما جنوده فكان أمرهم كله عجبًا.
آخى النبي ﷺ بين المهاجرين والأنصار، فآخى مثلًا بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع ﵄، فقال سعد لعبد الرحمن: "إني أكثر الأنصار مالًا. فأُقسم مالي إلى نصفين، ولى امرأتان فانظر أعجبهما إليك قسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها".
هذا مثال واحد للإيثار الذي كان نتيجة من نتائج هذا التآخي.
وفي الطريق إلى بدر، هتف متكلم المهاجرين: "والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك حتى تنتهي إليه". وهتف متكلم الأنصار: "فامضںى يا نبي الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما بقى منا رجل واحد".
ويوم بدر، قتل أبو عبيدة بن الجراح ﵁ أباه، وكان أبو بكر ﵁ مع المسلمين، وكان ابنه عبد الرحمن مع المشركين، وكان عتبة بن ربيعة مع قريش، وكان ولده أبو حذيفة مع المسلمين.
في هذه المعركة التقى الآباءُ بالأبناءِ، والإخوة بالإخوة! .
خالفت بينهم المبادئ، ففصلت بينهم السيوف! ..
1 / 8
وفي يوم بدر تسابق المسلمون إلى الشهادة، وكان كل واحد منهم يتمنى أن يموت قبل صاحبه، وكان كل واحد من المشركين يتمنى أن يموت صاحبه قبله، وكان الشهيد يردد وهو يحتضر: " ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾.
وبعد معركة بدر، استشار النبي ﷺ أصحابه في مصير الأسرى، فقال عمر بن الخطاب ﵁ "أرى أن تمكني من فلان - قريب عمر - فأضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديادهم وأئمتهم وقادتهم".
وكان فداء أسرى بدر أربعة آلاف إلى ما دون ذلك، فمن لم يكن عنده شيء كان فداؤه أن يعلم غلمان الأنصار الكتابة.
هكذا كان جنود الرسول القائد ﵊ يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة، ويؤثرون عقيدتهم على آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشيرتهم وأموالهم، بل يؤثرون عقيدتهم على أنفسهم، فيتسابقون إلى الشهادة، فيقول أحدهم للآخر: "هنيًا لك الشهادة"، وتقول الأُمهات والأخوات والزوجات حين يعلمن باستشهاد ذويهن: "الحمد لله الذي أكرمهم بالشهادة".
وهؤلاء قادة وجنودًا، يبنون للمستقبل، فيعتبرون العلم فريضة لا نافلة، ويعتبرونه عبادة لا تجارة، ويعتبرونه غاية لا وسيلة .. ! .
كانوا إخوة في الله يحب أحدهم لأخيه ما يحبه لنفسه، وكانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، وكانوا كالجسد السليم المعافى إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي! ...
هؤلاء قادة وجنودًا، كانوا يبنون ولا يهدمون ويعمرون ولا يخربون ويفعلون ولا يقولون ..
1 / 9
كان انتصار المسلمين في بدر، إيذانًا بمولد دولة الإسلام عمليًّا، فقاد المسلمون بعدها العالم إلى الخير والصلاح والمدينة والنور قرونًا طويلة.
وكان انتصارهم بالإسلام، ولن ينتصروا بغيره، وتاريخ المسلمين خير دليل على ذلك.
كان العرب في الجاهلية متفرقين فتوحدوا بالإسلام، وكانوا أعداء فأَلف الإسلام بين قلوبهم، وكانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم الإسلام منها، فأصبح العرب بالإسلام (وحدة) رصينة، و(دولة) عظيمة و(أُمة) متماسكة و(قوة) ضاربة وجدت لها متنفسًا بالفتح الإسلامي العظيم، فسارت رايات العرب المسلمين تهدى الدنيا وتحضِّر العالم وتمدِّن الناس، فامتدت دولة الإسلام من سيبيريا شمالًا إلى فرنسا غربًا إلى الصين شرقًا إلى المحيط جنوبًا.
كانوا ضعفاء فأصبحوا بالإسلام أقوياء، وكانوا أعداء فأصبحوا إخوة، وكانوا مستعبدين فأصبحوا فاتحين .. ! .
ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، فأصبحوا مستعمرين مستعبدين أذلاء غثاء كغثاء السيل، والله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
أصبح هؤلاء الخلف يستوردون المبادئ من الشرق والغرب مبهورين متخاذلين، وأَصبحوا يتعشقون تراث الأجنبي ويحتقرون تراثهم، ويتدارسون تاريخ أعدائهم ويتركون تاريخ هم وراءَهم ظهريًا، حتى أصبحنا نسمع بعض العرب والمسلمين يقولون ويكتبون ويذيعون علنًا
1 / 10
باسم الثقافة وباسم التحرر ما لم يستطع أن يقوله أو يكتبه أو يذيعه المبشرون وأعداء الإسلام! ! ..
وإذا كان أكثر المستشرقين قد بذلوا قصارى جهودهم لتعميق آثار الاستعمار الفكري بين العرب والمسلمين، فما عذر المستغربين من العرب المسلمين؟ ! .
إن الدعوة إلى تبناها المبشرون وعملاء الاستعمار وأذنابهم في أبعاد الدين الإسلامي عن الحياة، دعوة مريبة هدفها إبعاد العرب عن الناحية المعنوية في حياتهم، فالعرب جسم والإسلام روحه، ولا بقاء للجسم بدون روح.
والدعوة التي تبناها هؤلاء لاستعمال العامية بدل العربية الفصحى دعوة مريبة، هدفها أن يجعلوا من الأُمة العربية أُممًا، ومن الشعب العربي شعوبًا، لأَن العربية لغة القرآن الكريم ولغة الرسول ﷺ، ولغة قادة الفتح وجنوده ولغة الفكر وجنوده.
والدعوة التي تبناها هؤلاء لإشاعة الفحشاء والتخنيث في العرب خلافًا لعقيدتهم وتقاليدهم، دعوة مريبة لا تخدم غير الاستعمار وأعداء العرب وإسرائيل، وكيف تنتظر من الديوثين والبغايا أن يبذلوا أرواحهم في ميادين الشرف والفداء لا؟ ! !
إني أتحدى كل من يزعم أن هناك عقيدة أفضل من عقيدتنا، وأن هناك رجالا أعظم من رجالنا وأن هناك تاريخًا أنصع من تاريخنا، وأن هناك تراثًا أروع من تراثنا ..
والذين يزعمون أنهم طردوا الاستعمار العسكري والاستعمار السياسي والاستعمار الاقتصادي من بلادهم ثم يعملون ليلًا ونهارًا
1 / 11
على ترسيخ الاستعمار الفكري في بلادهم، لم يصنعوا شيئًا أكثر من إخراج الاستعمار من باب ضيق، وإدخاله بمحض إرادتهم من باب فسيح.
نطرد الاستعمار ثم نترجم قوانينه ونعمل بها نصًّا وروحًا، فنشيع في بلادنا فجور القانون ... !
ونتخلص من الاستعمار ثم نستورد مبادئه ونطبقها حرفيًّا.
فنستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ونحارب الاستعمار ثم نستورد منه التحلل الخلقي، فنفسد جيلنا الصاعد ونشيع بينهم الفاحشة والمنكر! عقوبة السارق في الإسلام قطع اليد، فيقول عن ذلك الجهلاء منا: أن ذلك رجعية، وهذا همجية وهو لا يتفق مع روح القرن العشرين! !
وعقوبة السارق في أعظم دول الاشتراكية الإعدام، فيقول عن ذلك الجهلاء منا: هذه تقدمية، وهذه مثالية، وهذا يتفق مع روح القرن العشرين! !
فلمصلحة من هذا التهافت الذليل؟؟ ! ! وأَي استعمار فكري شنيع نعاني؟؟ ! !
أن الذين يدّعون بأن السلوك السياسي لا علاقة له بالسلوك الشخصي التزامًا بالمبادئ الخلقية الرفيعة، واهمون كل الوهم أو أغبياء كل الغباوة أو عملاء كل العمالة.
والذين يريدون إشاعة الفحشاء والتخنث في أبنائنا لا يخدمون غير الاستعمار وإسرائيل.
إن عقيدتنا المستمدة من رسالة السماء، وتاريخنا الذي هو التطبيق العملي لتعاليم الإسلام، ورجالنا الذين هم الترجمة العملية لروح
1 / 12
الإسلام، وتراثنا الذي هو حصيلة الفكر الإسلامي، هي أَعظم وأَرفع وأَنصع وأَروع وأَنقى وأَطهر وأَسمى وأَبهر من كل ما وجد على الأَرض من عقائد وتواريخ وتراث.
وأَتحدى كل من يدعي خلاف ذلك، إلا أَن يكون جاهلًا أَو غبيًا أَو عميلًا، فلا يجدى شيء مع الجهلاء والأَغبياء والعملاء ..
إن الماضي هو أَساس الحاضر والمستقبل، فكيف نتنكر لماضينا الجيد؟ .
وهل هناك عاقل يبدأُ ببناء البنيان أَول ما يبدأُ من قمته؟ ! !
إننا سدنا بالإسلام عقيدة وعملًا وتضحية وفداء، ولن نسود بغيره أَبدًا مهما نحاول من محاولات ..
إن الإسلام مفخرة الدنيا ومعجزة العالم، فيجب أَن نهاجم به أَعداء الإسلام.
يا أَتباع محمد ﷺ في كل مكان من دار الإسلام:
يجب أَن تهاجموا بالإسلام أَعداء الإسلام، فلا يقولن قائل بعد اليوم، إني أُدافع عن الإسلام، لأَن الإسلام أَقوى من أَن يدافع عنه إنسان: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)﴾.
تمسكوا بالإسلام بما فيه من تكاليف التضحية والفداء، وبذلك وحده تعودوا إلى قيادة العالم كما فعل أجدادكم من قبل، وصدق الله العظيم: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)﴾.
رددوا معي ما كان يردده السلف الصالح من رجالنا الغر الميامين: "يا نصر الله اقترب".
1 / 13
إننا مع المسلمين في كل مكان على أعدائهم في كل مكان فهم إخوتنا في الدين، وهم إخوتنا في الله، والله يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وعلينا واجب نصرهم، والذي لا ينصر أخاه ظالمًا أو مظلومًا عليه ألا يدّعى الإسلام.
إننا مع لغة القرآن، لغة النبي ﷺ، ولغة العرب الفاتحين، على دعاة العامية الذين يتظاهرون بالشعارات الزائفة ويخفون ما لا يظهرون.
وكل من لا يكون مع مبادي القرآن ولغة القرآن، منحرف عن الحق، يعمل لحساب الاستعمار وإسرائيل ولو تظاهر بالعروبة والإسلام.
وإلى هؤلاء المنحرفين، أقول مذكرًا ومنذرًا ما قاله الله في القرآن الكريم: ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَال﴾.
وحّد الله العرب من المحيط إلى الخليج تحت لواء الإسلام، وجعل وحدتهم قاعدة رصينة لوحدة المسلمين من المحيط إلى المحيط، فالعرب بالاسلام كل شيء، والعرب بغير إسلام لا شيء ...
والحمد لله كثيرًا، وصلى الله على سيدي ومولاي رسول الله: سيد القادات وقائد السادات، ورجل الرجال وبطل الأبطال، ورضي الله عن أصحابه وعن كل من يخدم العرب والإسلام بأمانة وإخلاص.
1 / 14
مقدمةہ المؤلف عن الطبعة الثانيةہ
الحمد لله نستعينه ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونصلي ونسلم على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه الذين نصروه في كل موطن وحين.
وبعد، لقد كان صدور كتابنا هذا - وهو الكتاب الأول من سلسلة معارك الإسلام الفاصلة - تجربة شجعنا نجاحها على المضہي فيما اعتزمنا القيام بتنفيذه من إصدار سلسلة كاملة عن معارك الإسلام الفاصلة.
لقد صدرت الطبعة الأُولى من هذا الكتاب في شهر محرم ١٣٨٣، ولم يأْت شهر شوال من السنة نفسها إلا وقد نفدت نسخ هذه الطبعة، فشجعنا ذلك النجاح على المسارعة إلى إصدار الطبعة الثانية هذه، التي أضفنا إليها زيادات بلغت أكثر من ضعف الطبعة الأُولى.
فقد كانت صفحات الكتاب من الطبعة الأُولى لا تزيد على ١٦٠ صفحة، بينما بلغت صفحات الكتاب في هذه الطبعة (كما يرى القاريء) أكثر من ٢٩٦ صفحة، كما شجعنا ذلك النجاح على المسارعة إلى إصدار كتابنا (غزوة أُحد) وهو الكتاب الثاني من سلسلة معارك الإسلام الفاصلة، وعلى المضي في إخراج كتابنا (غزوة الأحزاب) وهو الكتاب الثالث من هذه السلسلة، والذي سيأخذ طريقه إلى المطابع قريبًا إن شاء الله.
1 / 15
فشكرًا لله أُولًا وآخرًا، وله الحمد والمنة، على ما تفضل به علينا من نعمه الظاهرة والباطنة ونسأله تعالى أن يمدنا بعونه ويسندنا بتوفيقه، وأن يحمينا من مضلات الفتن ومزالق الغرور. وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه تعالى، وأن يكون نصيرنا -ما دمنا على الحق- إنه نعم المولى ونعم النصير.
محمد أحمد باشميل
مكة المكرمة: ربيع الثاني ١٣٨٤ هـ
آب - أغسطس ١٩٦٤ م
1 / 16
مقدمة الطبعة الأَولى
اللهم صل على محمد سيد المكافحين وإمام المجاهدين وعلى آله الطيبين الطاهرين وأَصحابه الأوفياء الصامدين.
اللهم نستمد منك العون والتوفيق.
وبعد، لقد عزمنا (بعون الله تعالى) على وضع سلسلة تاريخية مفصلة عن معارك الإسلام الفاصلة، التي قلبہت موازين القوى وغيرت ارتكزت عليها وحملت لواءَها في العالمين.
إن هذه السلسلة لن تقتصر على المعارك الكبرى التي تم الفوز فيها للإسلام فقط، كمعركة بدر الكبرى.
بل سنتناول كبريات المعارك الهائلة الشهيرة الأَخرى التي خاضها المسلمون وتمت الغلبة فيها لأعدائهم كمعركة أُحد في يثرب، ومعركة بلاط الشهداء في فرنسا.
والهدف الأَول من وضع هذه السلسلة هو إزاحة الستار (وخاصة أَمام الشباب المثقف ثقافة عصرية) عن جزء ثمين من كنوز تاريخنا الإسلامي الزاخر بالبطولات والتضحيات، والذي تآمر عليه العدو من الخارج بالاتفاق مع فئات آثمة في الداخل.
فئات اصطنعها العدو الخارجي (أَيام حكمه) وأَجلسها أَمام قيادات التربية والتعليم، وجعل لها الهيمنة على مركز الصحافة وقيادة الإذاعة والنشر.
1 / 17
فأَجرمت في حق تاريخنا الإسلامي إجرامًا كبيرًا، إذ طمست (في فصل المدرسة ومدرج الكلية)، عن عمد وإصرار، كل جانب مشرق من جوانب هذا التاريخ العظيم، وخاصة جانب البطولة والفداء والنجدة الذي يتمثل في المعارك الفاصلة إلى خاضها الإيمان ضد الكفر، وقادها العدل ضد الطغيان، والتي تجلى فيها زخم العقيدة وشرف المبدأَ.
فقد رأَينا ولا نزال نرى حتى هذا اليوم، هذه الفئات التي شاء لها الأَجنبي أَن تضع (حسب وحيه ورغبته) برامج التعليم ومقررات التدريس للنشء الإسلامي في كثير من أَقطارنا الإسلامية.
نعم رأَينا ولا نزال نرى هذه الفئات الآثمة، تجعل هذا الجيل الناشئ يتلهى (في مراحل دراسته التاريخية)، بالنظر في وقائع تاريخ مبتوت الصلة كليًّا بتاريخنا الإسلامي.
وإذا ما تعرضت هذه الفئات الخطيرة للتاريخ الإسلامي، (سواء تدريسًا أَو محاضرة أَو إذاعة) لا تتعرض (في الغالب) إلا لما كان نزاعًا واختلافًا بين المسلمين.
كالحوادث المؤسفة التي حدثت أَيام عمان وبعد موته، بين علي ومعاوية (١)
_________
(١) هو معاوية بن أَبي سفيان، صخر بن حرب الأَموى القرشي، أَول من وضع أَسس الدولة الأَموية العظيمة في الشام، ولد بمكة وأَسلم يوم فتحها، وكان أحد كتاب الوحي، تولى قيادة إحدى الكتائب تحت قيادة أَخيه يزيد في حرب الروم في الشام، بأَمر من الخليفة أَبي بكر، كان على رأَس الجيوش التي فتحت بيروت وصيداء وعرفة وجبيل، قاد الجناح الأَكبر من المعارضة المسلحة لخلافة علي، بعد أَن اتهمه بدم عثمان، بايعه المسلمون بالخلافة العامة سنة إحدى وأَربعين من الهجرة، وذلك بعد وفاة أَمير المؤمنين علي، فقد تنازل له الحسن بن علي وبايعه بالخلافة إطفاء للفتنة وحقنا لدماء المسلمين، كان معاوية أَحد عظماء الفاتحين في الإسلام، فقد وصلت طلائع جيوشه إلى شواطئ المحيط الأَطلسي في الشمال الإفريقي، وفي أَيامه ثم فتح السودان، وكان أَول من حاصر القسطنطينية (أَسطنبول) برًا وبحرًا، ومعاوية هو الذي قام بإنشاء أَول أَسطول بحري =
1 / 18
وعائشة (١) وطلحة والزبير ﵃ أَجمعين.
فتطنب هذه الفئات في ذكر تلك الحوادث وتتفلسف في أَسبابها ومسبباتها، وتنشرها بين الطلبة تدريسًا ومطالعة ومحاضرة، وكأَنها وحدها هي التاريخ الإسلامي.
بينما تهمل إهمالًا كاملًا. باقي الجوانب الوضاءَة المشرقة التي يمكن أن تكون حافزًا للشباب المسلم على السير في طريق الرجولة والتضحية والاستقامة تحت لواء القرآن.
ولا شك أَن هذا عمل تخريبي مقصود، سارت عليه هذه الفئات الآثمة في المدرسة والجامعة، منذ عشرات السنين، لتثبيت دعائم الاستعمار الثقافي والفكري -الذي هو الاستعمار الأَكبر- والذي قرر الأَعداء أَن يكون خليفة الاستعمار السياسي - الذي هو الاستعمار الأَصغر وهذا ما حدث فعلًا، عندما رحل الأَجنبي بجلدته عن أَكثر الأَوطان الإسلامية.
إن القصد من إهمال التاريخ الإسلامي - إلا ما كان نادرًا، أَو خلافًا بين المسلمين أَو مجونًا ولهوًا من بعض حكامهم -هو قطع الصلة
_________
= للإسلام، وهو أَول حاكم مسلم قام بأَول حملة بحرية ضد الرومان في البحر الأَبيض المتوسط، وقام أسطوله باحتلال جزائر كريت ورودس وقبرص، وجزر الدردنيل، ويقدر بعض المؤرخين أَسطول الإسلام الذي أَنشأَه معاوية بأَلف وسبعمائة سفينة يعيب عليه الكثير أَخذه البيعة لابنه يزيد الذي لم يكن أَهلا لها، ومطاعن الشيعة فيه أَكثر من أَن تحصى وغلاتهم يعتبرونه كافرًا، مات معاوية بدمشق سنة ستين من الهجرة.
(١) هي أَم المؤمنين، عائشة بنت أَبي بكر الصديق غنية عن التعريف، أَفقه نساء المسلمين وأَكثرهن علمًا بالدين والأَدب، تزوجها النبي ﷺ في السنة الثانية من الهجرة، كانت أَكثر النساء حديثًا عن رسول الله. روى المحدثون عنها ٢٢١٠ حديثًا. كانت أَحب نساء رسول الله ﷺ إليه، شهدت معركة الحمل، وكانت من الناقمين على قتلة عثمان توفيت ﵂ سنة ثمان وخمسين من الهجرة =
1 / 19
بين الشباب المسلم وبين الاطلاع على الصفحات الناصعة المشرقة، من تاريخ أَسلافهم المجيد، الذي يخشى الأَجنبي الحاقد على الإسلام، أَن يحملهم النظر في هذا التاريخ على التأَسي بأَولئك الأَبطال الميامين الذين اجتذبهم الإِسلام من الكهوف وأَغوار الوديان، حفاة أَشباه عراة، ثم أَقعدهم (بعد أَن صهرهم في بوتقة الإيمان) أَمام دفة قيادة الدنيا، فصنعوا بالإِسلام، وصنع الإسلام بهم تاريخًا، لم تشهد الدنيا مثله في البناءِ والعظمة والنزاهة والإشراق، من لدن آدم حتى يومنا هذا.
تاريخًا لو اعتنى به الأَستاذ في مدرسته والعميد في جامعته؛ لصنعت لنا هذه المدارس والجامعات، شبابًا قويًّا في عقيدته، متينًا في خلقه، عظيمًا في بطولته، فذًا في استقامته، مفلح في قيادته.
شبابًا بإمكانه أَن يجمع بين صدق أَبي بكر، وعدل عمر، ونبل عثمان، وبسالة عليّ، وفروسية خالد، وحنكة عمرو، وحلم معاوية، وإقدام ابن الزبير.
ولما خلقت لنا هذه المشكلة الخطيرة التي نواجهها في كل قطر إسلامي .. مشكلة هذا القطيع الهائج، ممن يسمون أَنفسهم التقدميين، المتحررين، الذين أَصبحوا، أَشد ضررًا على الإسلام، وأَعظم تجريحًا لتاريخه من أَعدائه الأَصليين الذين قاموا بتفريخهم في معامل استعمارهم الثقافي، أَيام سيطرتهم وحكمهم.
ولكنه الاستعمار الحقود، وسماسرته من المحسوبين علينا، دبروا (في غفلة منا طويلة) خطة اغتيال هذا التاريخ، ونجحوا في إهالة التراب عليه، بأَيدي رجال ينتسبون إلينا، فلم يبقوا منه في مقررات التدريس، إلا مقاطع لا تصلح لشيء، إلا للنيل من ماضي الإسلام والطعن على بناة دولته، والتشهير بمن قادوا معارك الإسلام والحط من
1 / 20
مكانتهم (١) كتطاولهم على عثمان وابن الزبير (٢) ومعاوية وعمرو بن العاص (٣) وتوسعهم في نشر ما يظنه خصومهم طعنًا في دينهم وأَمانتهم، وكتعمدهم الإسهاب في نظرية أَبي ذر الغفاري ﵁
_________
(١) قرأت مرة قصة فِلم في مجلة المصور، عن خالد بن الوليد وإذا أبرز ما في الفلم قصة قتل مالك بن نويرة وغرام خالد بزوجة القتيل نوار التي يقول بعض المؤرخين إن خالدًا تزوجها بعد قتله ابن نويرة (كمرتد) في حروب الردة، وأوجع منظر رأيته أن ممثل البطل في الفلم، قد ظهر ملتصقًا (في حالة مزرية) بممثلة أخرى، على اعتبار أن هذا الممثل هو خالد بن الوليد، والممثلة نوار، زوجة القتيل مالك بن نويرة، وهكذا يشن فروخ الاستعمار حربًا واسعة على قادة الإسلام وأبطاله حتى في الأفلام السينمائية.
فقد عز علي هؤلاء العملاء أن يمر هذا الفلم في جميع أدواره مرور البطولة الكاملة المنزهة عن نزوات الجنس، فأفسدوه بذلك المنظر الذي كان من أسباب كساده.
(٢) هو عبد الله بن الزبير بن العوام أشهر من نار علي علم، كأن فارس قريش في زمنه، كان أحد القادة الذين اشتركوا في فتح تونس، وهو الذي قتل جرجس ملك الرومان هناك، نازع بني أمية الخلافة، أعلن نفسه خليفة عقيب موت يزيد بن معاوية فتمت له السيطرة على الحجاز ومصر والعراق واليمن وخراسان وأكثر الشام، كانت له مع الأمويين وقائع رهيبة، تغلب عليه عبد الملك بن مروان في آخر الأمر، حاصرته جيوش الشام في الحرم بقيادة الحجاج، فقاتل قتال الأبطال حتى قتل وهو في الثمانين وذلك سنة ثلاث وسبعين: كان أول مولود في المدينة بعد الهجرة استمرت خلافته تسع سنين:
(٣) هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي، قال صاحب كتاب (الأعلام) كان أحد عظماء العرب ودهاتها وأولي الرأي والحزم والمكيدة فيهم، كان عمرو من أشد الناس على رسول الله ﷺ في الجاهلية، سافر إلى الحبشة للإيقاع بالمسلمين فيها عند النجاشي فلم يفلح، أسلم في هدنة الحديبية وكان إسلامه وخالد بن الوليد في آن واحد، ولاه الرسول قيادة جيش (ذات السلاسل) وأمده بأبي بكر وعمر، ثم جعله عاملا علي منطقة عمان، كان أحد القادة الأربعة الكبار الذين تولوا فتح الشام، إليه يعود الفضل في فتح فلسطين ومصر، ولاه ابن الخطاب إمارة فلسطين ثم مصر، عزله عثمان عن الإمارة، كان في جانب معاوية أيام الفتنة، وتولي مصر بعد أن تم الأمر لمعاوية ومات وهو أمير عليها، كان ابن الخطاب من المعجبين برجاحة عقله ودهائه، كان يقول إذا رأى رجلا يتلجلج كلامه: .. إن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد، توفي ﵁ في مصر سنة ثلاث وأربعين من الهجرة.
1 / 21