8
قد أسلفنا لك شرح «العبارات الوصفية» بنوعيها العام والخاص؛ فالعبارة الوصفية العامة، مثل كلمة «إنسان»، تشير إلى أي فرد - لا إلى فرد معين بذاته - ما دام متصفا بالأوصاف التي تمثلها كلمة «إنسان»، والعبارة الوصفية الخاصة - مثل «أطول نهر في العالم» - تشير إلى شيء مفرد معين، كأنها اسم يسميه ويميزه من سائر الأشياء، غير أنها تسميه عن طريق أوصافه، وأهمية ذلك من الناحية المنطقية هي أنه لا يشترط حتما أن يكون ذلك الفرد موجودا وجودا حقيقيا، ولو أننا نستطيع أن نتصور صورة لما يمكن أن يوجد لو كان للشيء المسمى وجود، هذا بخلاف اسم العلم، فإنه يستحيل أن يقوم بغير قيام الفرد المسمى، ومن ثم حصر «رسل» أسماء الأعلام في كلمات مثل «هذا» و«ذلك»؛ لأنها أسماء تشير إلى فرد هنا أو فرد هناك، وما لم يوجد ما نشير إليه لما أمكن منطقيا أن نشير بقولنا «هذا» و«ذلك».
ونحب أن نلاحظ لك على سبيل الزيادة في الإيضاح، أن الفرق الجوهري بين العبارة الوصفية العامة والعبارة الوصفية الخاصة، هو أن الثانية تخصيص الفرد المسمى، بينما الأولى لا تخصص فردا بذاته، ولعلك تذكر تحليل العبارة الوصفية الخاصة «مؤلف ويفرلي» في جملة «مؤلف ويفرلي كان اسكتلنديا»، أقول: لعلك تذكر أن «رسل» حين حلل عبارة «مؤلف ويفرلي» حلها إلى قضايا، أولاها قضية «على الأقل فرد واحد كتب ويفرلي»، وثانيتها «على الأكثر فرد واحد كتب ويفرلي»، فإذا ضممت هاتين القضيتين إحداهما إلى الأخرى، وجدت أن الحاصل هو تفرد المسمى وجعله شخصا واحدا بذاته.
وأهمية نظرية «العبارات الوصفية» عند «رسل» هي أنها تنسق فلسفته في المعرفة الإنسانية، فهو يذهب إلى أن للمعرفة جانبين: (1) معرفة بالاتصال المباشر.
22
و(2) معرفة بالوصف.
23
أما الأولى فهي تلك التي ندركها إدراكا مباشرا بغير حاجة إلى أية عملية من عمليات الاستدلال، كأن أنظر إلى هذه المنضدة أمامي وأعلم أنها بنية اللون، فإدراكي للبقعة اللونية إدراك مباشر، وأما الثانية فهي التي تمكننا من معرفة الشيء بغير حاجة منا إلى الاتصال به اتصالا مباشرا، كأن أقول لك: قابلت رجلا، فتفهم ما أريد دون حاجة منك إلى الإدراك الحسي المباشر للفرد المعين الذي قابلته.
24
إننا نعرف شيئا بالوصف حين نشير إليه بعبارة وصفية في أحد نوعيها: العام والخاص، فعندئذ لا يكون الشيء المعروف ماثلا أمام حواسنا، فقولي مثلا: «حاصل ضرب 17 × 18» هو معرفة بالوصف؛ لأن العدد المقصود ليس قائما أمامي، وأهمية المعرفة بالوصف أننا نجاوز بفضلها حدود خبراتنا الحسية المباشرة لننتفع بخبرات الآخرين.
অজানা পৃষ্ঠা