وجود «الكلمة» ليس دليلا على وجود المسمى وجودا عينيا في عالم الأشياء، هذا هو المبدأ الرئيسي الذي نستخدمه في رفض كثير جدا من العبارات الميتافيزيقية، ولو تابعت الفلاسفة الميتافيزيقيين في ظنهم بأن «الكلمة» لا بد لها من «مسمى» لرأيت عندهم عجبا، إذ تراهم إزاء عبارات كهذه: «الغول حيوان مخيف» و«العنقاء طائر طويل العمر» ... إلخ يحتمون أن يكون هناك غيلان وعنقاوات، وإلا فلو لم تكن الغيلان والعنقاوات موجودة، فماذا تدل عليه هذه الكلمات وأمثالها؟! لكنهم يعلمون أن عالمنا هذا ليس فيه غيلان وعنقاوات، فتراهم يفرضون عالما آخر غير هذا العالم التجريبي ليكون مسكنا لكل هذه الكائنات التي تعجز الحواس عن إدراكها.
23
وهذا بعينه هو الخطأ الذي وقع فيه أمثال «هيدجر» الذي يبني فلسفته على أن «العدم» شيء يحيط به إلغاز وغموض، ويختار «كارناب» فقرات من «هيدجر» ليوضح بها كيف ينشأ الكلام الفارغ عند الميتافيزيقيين، ومن أهم هذه الفقرات المختارة للتوضيح، الفقرة الآتية: «لا يجوز لنا أن ندرس إلا ما هو موجود، وبعد ذلك لا شيء، الموجود وحده، ثم لا شيء، الموجود في تفرد ذاته، ووراء ذلك لا شيء، لكن ماذا نقول في هذا «اللاشيء»؟ هل هناك «لا شيء» لمجرد انعدام الوجود، أعني لمجرد السلب؟ أم أن الأمر على عكس ذلك تماما، بمعنى أن اللاشيء موجود ثم يتبع وجوده وجود «السلب» و«ليس»؟ إني أقرر أن وجود «اللاشيء» أسبق من وجود «ليس» ومن وجود «السلب»، فأين نبحث عن «اللاشيء »؟ كيف نلتمسه وكيف نجده؟ ...»
24
فانظر إلى هذه العبارة، لتعلم كيف استعمل الفيلسوف كلمة «لا شيء»، فلما نشأت الكلمة، راح من فوره يسأل: أين نبحث عن اللاشيء؟ كيف نلتمسه وكيف نجده؟ وهكذا تنشأ المشكلات الميتافيزيقية من «لا شيء»!
الفصل الرابع
نسبية الخير والجمال
1
الغاية الرئيسية من هذا الكتاب هي بيان أن العبارات الميتافيزيقية خلو من المعنى، مع تحديد «الميتافيزيقا» بأنها البحث في أشياء لا تقع تحت الحس، لا فعلا ولا إمكانا؛ لأنها أشياء بحكم تعريفها لا يمكن أن تدرك بحاسة من الحواس، ومن بين هذه الأشياء غير المحسة - التي يكتب عنها الفلاسفة - الخير والجمال؛ ولذلك فنحن نسلك العبارات التي تتحدث عن الخير وعن الجمال في زمرة الميتافيزيقا بالمعنى الذي حددناه لها، وبالتالي فإننا نرى العبارات التي تتحدث عن هاتين القيمتين في الأشياء - قيمة الخير وقيمة الجمال - خالية من المعنى، ولا تصلح أن تكون علما ولا جزءا من علم.
وقبل الدخول في تفصيلات البحث، يحسن أن أوضح للقارئ ما أريده حين أقول: إن «الخير» و«الجمال» ليسا مما تدركه الحواس؛ لأنه ربما عجب لنفسه كيف يمكن أن يقال فيهما مثل هذا القول، مع أنه «يرى» و«يسمع» أشياء بعينها، توصف بأنها خيرة أو بأنها جميلة، أفلا يكون عندئذ بمثابة من يدرك الخير والجمال بحواسه؟
অজানা পৃষ্ঠা